هدى عبدالحميد
عندما بدأت فنون السينما والمسرح في الانتشار في عالمنا العربي لم يتقبلها البعض وجرموها وحرموها، بل إن شهادة الفنانين في المحاكم القضائية كانت غير مقبولة، نظراً لقدرتهم على تقمص أي دور والخوف من التأثير على القاضي كذباً، وكان هذا إجحافاً في حقهم، فالممثل إنسان يحركه ضميره وليس قدراته.
ومع العولمة وانتشار الفن السابع وغزوه للبيوت العربية من خلال المنصات الإلكترونية، ونجاحها في احتلال مساحة كبيرة من اهتمام المشاهد العربي والمسلم، لجأت هذه المنصات لمحاولة التقارب أكثر معنا والبحث عن اهتمامنا، ويعد هذا التقارب مشروعاً بل ومقبولاً، ولكن غير المقبول هو أن تقحم علينا عادات وأخلاق تخالف القيم الإنسانية والدينية، بل محاولة تغليفها في إطار حقوق المرأة تارة وحقوق المرضى الذي يطلق عليهم المثليون تارة أخرى.
المشكلة أننا سنعود لنقطة البداية وسيتم إعطاء ذريعة لمن ينادون بتحريم الفنون بالكامل خصوصاً بعد أن قدم بعض الفنانين تنازلات وتقديم أدوار لا تناسب مجتمعنا وتخالف تعاليم ديننا الحنيف، وهؤلاء الفنانون وقعوا في فخ الرغبة في إثبات جدارتهم الفنية وحقهم في الانتشار العالمي من خلال منصة مشهورة بتقديم تنازلات أو كما يروجون مفاهيم خاطئة بحجة أنها تخدم السياق الدرامي.
وكأن السينما في الخمسينيات لم تقدم الفن الراقي، فمن منا لا يدرك عند هطول العاصفة أن هناك حدثاً جللاً أو أن يغلق الشباك بشكل عنيف أن هناك مشهداً يريده السياق الدرامي دون إقحام ما يخالف الدين.
ولنا في الفنان إسماعيل ياسين رحمه الله قدوة، فقد كان يشترط في عقود أفلامه السينمائية ألا يكون هناك قبلات، وعندما كانوا يسألونه لماذا؟ فكان جوابه أنا لا أريد مثل هذه المشاهد، وإن كان هذا لا يتماشى مع سياسة المنتج أو المخرج فليبحث عن ممثل آخر، وهذا تجسيد لدور الفنان الهادف الذي يريد أن يقدم أعمالاً خالدة لا تخدش الحياء العام ولا تكون سبباً في معصية.
وبعد انتشار بعض الأفلام الجريئة في السبعينيات والثمانينيات بحجة أنه لا يوجد عيب في تقديم مشاهد جريئة تخدم السياق الدرامي، فصححت السينما مسارها في بداية التسعينيات مع جيل من الشباب وأطلق عليها عودة السينما النظيفة، ولكن جاءت المنصات الإلكترونية التي لا رقيب عليها لتقتحم عالمنا وتخرب بوصلة بعض الفنانين الأخلاقية، ومنهم إحدى رواد السينما النظيفة وهي الفنانة منى زكي والتي ظهرت في شكل البنت الراقية الخجولة في الفيلم العظيم «اضحك الصورة تطلع حلوة» مع الفنانة سناء جميل وعملاق الأداء الراحل أحمد زكي رحمهما الله.
ولكن للأسف مؤخراً ظهرت في الفيلم الذي يعد سقطة فنية لها مع بعض الفنانين والمخرجة نادين لبكي، ولقد جاء تصريح الأزهر باستنكار الأفكار الحرام التي تناولها الفيلم ليضع حداً للمدافعين عن المفاهيم الخاطئة والتي تخالف تعاليم الأديان السماوية والفطرة الإنسانية. على الفنانين أن يراجعوا أنفسهم فيما يقدموه وأن يكونوا سبباً في تغيير هذه المنصات لفكرهم الهدام لا أن ينصاعوا لها، وعلينا نحن أن نقاطع المنصات التي تخدش حياء أسرنا وأن نتخذ لنا في بعض المنصات العربية ملاذاً حتى يعودوا إلى صوابهم.