د. عبداللطيف الحمادة
"لا أستطيع العيش بدونه أو بدونها" لطالما سمعت هذه العبارة من الكثيرين، سواء كانت من بنت فقدت أمها أو من زوجة انفصلت عن زوجها أو من شاب هجرته من كان على علاقة عاطفية بها. أشخاص من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، يجمعهم شيء واحد: أن الحياة لا يمكن أن تستمر بدون شخص ما! فيخيم عليهم كابوس الفقد الذي قد يطول أو يقصر حسب تحمل كل شخص منهم وحسب ثقافته، وذكائه، وخبرته، وسرعة استجابته للجلسات النفسية العلاجية التي تسّهل الطريق كثيراً في تجاوز ألم الفقد والحرمان، فمن خلالها يتم إعادة بناء المفاهيم لتصحيح طريقة التفكير السلبية التي يتبناها الكثيرون وعززتها ثقافة المجتمع والتي تدور كلها حول مفهوم واحد بأن حياتنا مرتبطة بشخص أو مكان أو شيء معين وبأن الحياة بدون أي منهم، مستحيلة!
يتسبب هذا المفهوم السلبي والتفكير غير المنطقي الذي يتمحور حول حالة التعلق العاطفي أو الإدمان أو الحب الوسواسي في عدد من الاضطرابات النفسية، كاضطراب الكرب الحاد أو اضطراب الكرب ما بعد الصدمة أو اضطراب التكيف أو اضطرابات القلق أو اضطراب الاكتئاب وغيرها. ولما كان الحب هو علاقة إيجابية ترتكز على التفكير الإيجابي والمشاعر الإيجابية المتبادلة بين الشريكين، حيث تؤدي تلك العلاقة إلى الارتقاء بكافة جوانب حياتهم، نجد في المقابل أن التعلق العاطفي أو الإدمان أو الحب الوسواسي "حب الامتلاك" هو علاقة سلبية سامة مليئة بالشك والريبة والإهانات اللفظية والجسدية مع تدهور في جانب أو أكثر من جوانب حياة الشريكين مع عدم القدرة على الابتعاد أو الإقلاع عن العلاقة. فالمتعلق عاطفياً هو من يعاني بشكل كبير من الجزع والانهيار النفسي والجسدي عند فقدان من تعلق به، في حين نعيش مشاعر الحزن الطبيعية عند فقدان من نحب، ولن تتسبب تلك المشاعر بالانهيار العاطفي والأسى المرضي، فالحب هو علاقة إيجابية صرفة، يكون الشريكان فيها مستقلين نفسياً، فهي علاقة غير اعتمادية كالتعلق العاطفي.
من الطبيعي أن نحيا مشاعر الحب والتقدير والسعادة نحو الشريك أو الابن أو الصديق أو غيرهم، ولكن غياب أحدهم عنك مختاراً أو مرغماً وإن تسبب في حزنك، فإنه لن يتسبب في إيقاف حياتك لأن العلاقة أصلاً غير اعتمادية. أما المتعلق عاطفياً والذي يعاني عادة من أعراض وسواسية تجبره على الاعتماد وحب الامتلاك مع قيامه بأفعال قهرية تجسد تعلقه العاطفي بالآخرين مع معاناته من أعراض جسدية، فتجده غير قادر على أن يتقبل فكرة فقدان الشخص الذي تعلق فيه من حياته، بل إنه كثيراً ما يستمر في علاقة فيها الكثير من الإساءة له، ولا يقوى على ترك هذا الشريك المسيء، بل يفضل وجوده السلبي في حياته عن غيابه عنها، لأنه قد أدمن في تفكيره ووجوده وكيانه وقيمته وسعادته ككل بهذا الشخص.
هذا المفهوم السلبي والأفكار غير المنطقية والمشاعر السلبية والأعراض الجسدية ليست سوى اضطراب نفسي لدى الشخص المتعلق عاطفياً الذي ربط مصيره بشخص آخر أو مجموعة أو بمادة أو بمكان بواسطة علاقات قد تقلب حياته رأساً على عقب نحو الأسوأ وقد تقضي عليه، ولكنها في حقيقة الأمر لا تعدو عن كونها مجرد خطوط وهمية!
الخطوط الوهمية في العلاقات: إن علاقات الإنسان بشكل عام هي مجرد خطوط وهمية، فقد خلقنا الله سبحانه وتعالى كائنات مستقلة نفسياً "فكرياً وعاطفياً وسلوكياً" عن محيطنا "الأشخاص والأماكن والأشياء" وكل العلاقات التي تربطنا بهذا المحيط هي محض خطوط وهمية انتقائية تنبثق في أذهاننا لا أكثر، إذ يستطيع الإنسان تهويلها أحياناً أو تهوينها أو إنهاءها في أحيان أخرى، بإرادته. وفي حقيقة الأمر لا وجود مادياً لها ولكنها من صنع ذهن الإنسان نفسه بنوازع ودوافع عدة منها فطرية غريزية أو مادية تعايشية أو معنوية أو مرضية قسرية، وفي النهاية يبقى كل ما هو في المحيط خارج نطاق حدود الإنسان النفسية ولن تستطيع أي من مكونات المحيط من التغلغل إلى نفسه والتطفل عليها ما لم يسمح الأخير بذلك بملء إرادته من خلال قيامه بتسمية الأشياء بغير مسمياتها وتهويلها وتضخيم معانيها بعد تغييرها إلى الصفة التي يريدها وتصديقها ثم تلقين ذهنه بها لفترة من الزمن لترسيخها بغية تصور الارتباط المبالغ فيه والمصيري بها ثم استعمالها للاعتماد عليها بدلاً من تأثره الطبيعي والمنطقي بها، وهنا ينتقل الإنسان من الاستقلالية النفسية المطلقة إلى الاعتمادية الجزئية أو الكلية وبذلك يصبح متأثراً بمكونات محيطه سلباً أو إيجاباً حسب حالة تلك المكونات.
تلعب عوامل الوراثة والتنشئة دوراً كبيراً على حد سواء في استطاعة الفرد أن يتحكم بهذه الخطوط الوهمية، فالتنشئة السليمة التي تغرس في الطفل حب ذاته واحترامها والاعتماد عليها، تقلل كثيراً من مخاطر تعلقه الوهمي بالمحيط، فلن يبحث عن قيمته في وجود آخر، كما أن البيئة الداعمة للمراهق والشخص البالغ الذي تعزز من احترامه لذاته ومن أهميته كفرد تساهم في قدرته على تجاوز أزمات الانفصال والفقد، ويلعب العلاج النفسي دوراً رئيساً في مساعدة من يعانون من "اضطراب الوسواس القهري بكل أشكاله" حيث يفاقم الأخير من ألم الفقد أو الانفصال بشكل مبالغ فيه مما يجعلهم يعانون من القلق والاكتئاب المزمنين، حيث يساعدهم العلاج النفسي بشكل كبير على تغيير طريقة تفكيرهم حول التعلق والفقد أو الانفصال والتهويل الذي يلفهم، وإعادة برمجة الخطوط الوهمية لعلاقاتهم مع المحيط بكل مكوناته ليعيشوا حياتهم كأفراد مستقلين متوازنين يحبون أنفسهم وفي نفس الوقت تربطهم علاقات إيجابية صحية مع الآخرين.
* استشاري الطب النفسي
"لا أستطيع العيش بدونه أو بدونها" لطالما سمعت هذه العبارة من الكثيرين، سواء كانت من بنت فقدت أمها أو من زوجة انفصلت عن زوجها أو من شاب هجرته من كان على علاقة عاطفية بها. أشخاص من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، يجمعهم شيء واحد: أن الحياة لا يمكن أن تستمر بدون شخص ما! فيخيم عليهم كابوس الفقد الذي قد يطول أو يقصر حسب تحمل كل شخص منهم وحسب ثقافته، وذكائه، وخبرته، وسرعة استجابته للجلسات النفسية العلاجية التي تسّهل الطريق كثيراً في تجاوز ألم الفقد والحرمان، فمن خلالها يتم إعادة بناء المفاهيم لتصحيح طريقة التفكير السلبية التي يتبناها الكثيرون وعززتها ثقافة المجتمع والتي تدور كلها حول مفهوم واحد بأن حياتنا مرتبطة بشخص أو مكان أو شيء معين وبأن الحياة بدون أي منهم، مستحيلة!
يتسبب هذا المفهوم السلبي والتفكير غير المنطقي الذي يتمحور حول حالة التعلق العاطفي أو الإدمان أو الحب الوسواسي في عدد من الاضطرابات النفسية، كاضطراب الكرب الحاد أو اضطراب الكرب ما بعد الصدمة أو اضطراب التكيف أو اضطرابات القلق أو اضطراب الاكتئاب وغيرها. ولما كان الحب هو علاقة إيجابية ترتكز على التفكير الإيجابي والمشاعر الإيجابية المتبادلة بين الشريكين، حيث تؤدي تلك العلاقة إلى الارتقاء بكافة جوانب حياتهم، نجد في المقابل أن التعلق العاطفي أو الإدمان أو الحب الوسواسي "حب الامتلاك" هو علاقة سلبية سامة مليئة بالشك والريبة والإهانات اللفظية والجسدية مع تدهور في جانب أو أكثر من جوانب حياة الشريكين مع عدم القدرة على الابتعاد أو الإقلاع عن العلاقة. فالمتعلق عاطفياً هو من يعاني بشكل كبير من الجزع والانهيار النفسي والجسدي عند فقدان من تعلق به، في حين نعيش مشاعر الحزن الطبيعية عند فقدان من نحب، ولن تتسبب تلك المشاعر بالانهيار العاطفي والأسى المرضي، فالحب هو علاقة إيجابية صرفة، يكون الشريكان فيها مستقلين نفسياً، فهي علاقة غير اعتمادية كالتعلق العاطفي.
من الطبيعي أن نحيا مشاعر الحب والتقدير والسعادة نحو الشريك أو الابن أو الصديق أو غيرهم، ولكن غياب أحدهم عنك مختاراً أو مرغماً وإن تسبب في حزنك، فإنه لن يتسبب في إيقاف حياتك لأن العلاقة أصلاً غير اعتمادية. أما المتعلق عاطفياً والذي يعاني عادة من أعراض وسواسية تجبره على الاعتماد وحب الامتلاك مع قيامه بأفعال قهرية تجسد تعلقه العاطفي بالآخرين مع معاناته من أعراض جسدية، فتجده غير قادر على أن يتقبل فكرة فقدان الشخص الذي تعلق فيه من حياته، بل إنه كثيراً ما يستمر في علاقة فيها الكثير من الإساءة له، ولا يقوى على ترك هذا الشريك المسيء، بل يفضل وجوده السلبي في حياته عن غيابه عنها، لأنه قد أدمن في تفكيره ووجوده وكيانه وقيمته وسعادته ككل بهذا الشخص.
هذا المفهوم السلبي والأفكار غير المنطقية والمشاعر السلبية والأعراض الجسدية ليست سوى اضطراب نفسي لدى الشخص المتعلق عاطفياً الذي ربط مصيره بشخص آخر أو مجموعة أو بمادة أو بمكان بواسطة علاقات قد تقلب حياته رأساً على عقب نحو الأسوأ وقد تقضي عليه، ولكنها في حقيقة الأمر لا تعدو عن كونها مجرد خطوط وهمية!
الخطوط الوهمية في العلاقات: إن علاقات الإنسان بشكل عام هي مجرد خطوط وهمية، فقد خلقنا الله سبحانه وتعالى كائنات مستقلة نفسياً "فكرياً وعاطفياً وسلوكياً" عن محيطنا "الأشخاص والأماكن والأشياء" وكل العلاقات التي تربطنا بهذا المحيط هي محض خطوط وهمية انتقائية تنبثق في أذهاننا لا أكثر، إذ يستطيع الإنسان تهويلها أحياناً أو تهوينها أو إنهاءها في أحيان أخرى، بإرادته. وفي حقيقة الأمر لا وجود مادياً لها ولكنها من صنع ذهن الإنسان نفسه بنوازع ودوافع عدة منها فطرية غريزية أو مادية تعايشية أو معنوية أو مرضية قسرية، وفي النهاية يبقى كل ما هو في المحيط خارج نطاق حدود الإنسان النفسية ولن تستطيع أي من مكونات المحيط من التغلغل إلى نفسه والتطفل عليها ما لم يسمح الأخير بذلك بملء إرادته من خلال قيامه بتسمية الأشياء بغير مسمياتها وتهويلها وتضخيم معانيها بعد تغييرها إلى الصفة التي يريدها وتصديقها ثم تلقين ذهنه بها لفترة من الزمن لترسيخها بغية تصور الارتباط المبالغ فيه والمصيري بها ثم استعمالها للاعتماد عليها بدلاً من تأثره الطبيعي والمنطقي بها، وهنا ينتقل الإنسان من الاستقلالية النفسية المطلقة إلى الاعتمادية الجزئية أو الكلية وبذلك يصبح متأثراً بمكونات محيطه سلباً أو إيجاباً حسب حالة تلك المكونات.
تلعب عوامل الوراثة والتنشئة دوراً كبيراً على حد سواء في استطاعة الفرد أن يتحكم بهذه الخطوط الوهمية، فالتنشئة السليمة التي تغرس في الطفل حب ذاته واحترامها والاعتماد عليها، تقلل كثيراً من مخاطر تعلقه الوهمي بالمحيط، فلن يبحث عن قيمته في وجود آخر، كما أن البيئة الداعمة للمراهق والشخص البالغ الذي تعزز من احترامه لذاته ومن أهميته كفرد تساهم في قدرته على تجاوز أزمات الانفصال والفقد، ويلعب العلاج النفسي دوراً رئيساً في مساعدة من يعانون من "اضطراب الوسواس القهري بكل أشكاله" حيث يفاقم الأخير من ألم الفقد أو الانفصال بشكل مبالغ فيه مما يجعلهم يعانون من القلق والاكتئاب المزمنين، حيث يساعدهم العلاج النفسي بشكل كبير على تغيير طريقة تفكيرهم حول التعلق والفقد أو الانفصال والتهويل الذي يلفهم، وإعادة برمجة الخطوط الوهمية لعلاقاتهم مع المحيط بكل مكوناته ليعيشوا حياتهم كأفراد مستقلين متوازنين يحبون أنفسهم وفي نفس الوقت تربطهم علاقات إيجابية صحية مع الآخرين.
* استشاري الطب النفسي