هدى عبدالحميد




لقد اعتدنا في مجتمعاتنا العربية على تقديس الترابط الأسري بين الأشقاء، فالعائلة يكون لها مكانة مميزة، ودائماً ما يرمز لها بصلة الدم للإشارة إلى الترابط الذي لا تنفك أواصره، ولكن هل أثرت التكنولوجيا على عاداتنا وعلاقاتنا الأسرية، وهل لارتباطنا بتطبيقاتها وشاشات النقال جعلنا ننسى هذه الروابط العميقة.

إن البعض بالغ في استخدام التكنولوجيا وأضحى التباعد بين أفراد الأسرة هو السائد، فحتى لو اجتمعت الأسرة معاً فإن الذهن والعقل مرتبطان بشاشة النقال الخاص بنا، وأصبح فكرة أن يكون لكل فرد من الأسرة غرفة خاصة به تزيد من هوة التباعد والتشارك التي كانت قائمة قبل أن تفترسنا التكنولوجيا.

فكل فرد له جهازه اللوحي أو جهاز الكمبيوتر الخاص به منعزلا بين ألعابه وتطبيقاته وكأنه معزول في جزيرة ولا يستطيع الوصول إلى الآخرين وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن هذه الأجهزة تؤثر علي قدرة الأطفال والشباب في التعبير عن مشاعرهم، وفي تجارب بعد هذه الدراسات عندما تم حجب هذه الأجهزة كانت النتيجة تحسناً في العلاقات مع الآخرين وأصبحوا أكثر تقارباً مع مجتمعهم سواء العائلي أو أقرانهم في المدرسة.

والجانب الأكثر سلبية إن لم نقنن أوقات استخدامنا لهذه التكنولوجيا أنها أصبحت تؤثر على ساعات النوم مما يعطل الإنتاج الطبيعي لهرمون الميلاتونين، وما بين تخريب الساعات البيولوجية للارتباط أحياناً بأوقات لعب مع أفراد في بلاد أخرى، إلى تأثيراتها بتشتيت الذهن لعدم وجود ساعات نوم محددة، مما يؤثر بالسلب على قدرة الأطفال والشباب، وطبعاً يزيد التباعد الأسري لأن كل فرد له الوقت الذي يناسبه.

ومع تعمق هذا التباعد لارتباط كل فرد بساعات نوم مختلفة ينشأ التباعد على مائدة الطعام، فأحياناً لا يجتمع أفراد الأسرة سوى على وجبة واحدة يومياً، وبعض الأسر لا تجتمع مما يعمق من أشكال التباعد الأسري.

علينا ألا نقاطع التكنولوجيا ولكن في الوقت نفسه ألا نجعلها تؤثر على نسيج الأسرة، وارتباط أفرادها ببعض، فيجب تقنين أوقات الاستخدام طبقاً لحاجة كل فرد، وأن نساعد أولادنا للهروب من هذا الإدمان على ألعاب الفيديو.

صحيح أن وباء كورونا ساهم في فقد الأبوين لجزء كبير من سيطرتهما نظراً لازدياد أجواء التباعد من أجل الحفاظ على الصحة إلا أنه يجب أن نبدأ بالعديد من الإجراءات مثل محاولة تنظيم مواعيد الطعام لتجتمع عليها الأسرة معاً، ورفض فكرة أن يأكل كل واحد في غرفته وحيداً في الوقت الذي يريده، وثانياً تنظيم أوقات النوم بحيث أن يكون فترة التعايش الأسري مترابطة مع بعضها البعض.

ويجب أيضاً حظر استخدام النقال أثناء اجتماع أفراد الأسرة، حتى نستطيع التواصل مع أفراد أسرتنا وعودة التفاهم والتقارب ثانية، فإن لم يستطِع أطفالنا التواصل مع محيطهم الأسري بشكل إيجابي كيف سيكون تواصلهم مع المجتمع؟!