روئ الحايكي
كلما أتأمل من حولي تشدني كثيراً ظاهرة مراقبة الناس بعضهم بعضاً في كل صغيرة وكبيرة، وخاصة ونحن في زمن قنوات التواصل الاجتماعي. زمن يسهل فيه تفشي ظاهرة مراقبة الآخرين، بل الوصول إلى درجة الهوس بحياتهم وتفاصيلها وإنجازاتهم ومشاعرهم وماهي خططهم المستقبلية. إن مراقبة الغير وتحليل حياتهم ومقارنتها بغيرها لا تثمر إلا حسداً وغيظاً وحقداً وتبعد الإنسان عن صفات مثل محبة الآخرين وحب الخير لهم والرضا والسلام الداخلي، ومن بعدها تسوء العلاقات الاجتماعية بسبب ما يحمله الإنسان في قلبه من غيظ وحسد لغيره ويتبدد الاستقرار النفسي بين الناس، ويصبح بعدها الإنسان وحيداً منبوذاً وإن كان وسط الزحام.
والسؤال المهم هنا: كيف سيعرف الإنسان ذاته ويطورها وهو يتابع حياة الناس وأخبارهم ويحاول جاهداً أن يستنسخ حياتهم أو يتفوق عليها من باب المنافسة؟ إن شخصية الإنسان تبنى كل يوم وتتغير باستمرار مع الوقت، تصقلها خبراتنا وتجاربنا مع الآخرين وكذلك انعكاسات هذه التجارب على النفس. ومن المستحيل أن نقول إننا نعرف ذواتنا معرفة جيدة ونهائية كوننا في رحلة مستمرة في هذه الحياة؛ فمخطئ من يعتقد أنه اكتشف ذاته ولا يحتاج لإعادة اكتشافها.
لذلك وجب على الإنسان أن يركز شغله الشاغل على إصلاح نفسه وتخليصها من عيوبها؛ فمن انشغل بغيره لا يمكنه رؤية أخطائه وعيوبه ولا يمكنه إدراك نقصه بل على العكس سوف تحجب أنانيته مكاشفاته لنفسه إذا حاول ذلك، وسيستمر مراقباً غيره متطفلاً على حياة الناس بغير وعي أو إدراك لما يقوم به. وهناك فئة أخرى تفوق الفئة السابقة مراقبة لغيرها وتتميز بأنها تراقب وتحاسب وتنصح الغير بكل استعلاء وكأن الكمال صفة من صفاتها، هذه الفئة من الناس يتملكهم الغرور والوهم بعظمة الذات لذلك تراهم يمارسون سلطة المراقب والمحاسب ويشعرون طيلة الوقت بأنهم الأعلى شأنا ورتبة.
طوبى لمن كان شغله عيبه، وكان انشغاله بنفسه وتطويرها وقد ترك كل الخلق للخالق. وأسفي على من نسي عيبه وتفرغ مراقباً لغيره ومحاسباً له وكأنه الكمال ذاته.