عبير أحمد خليفة *مساعد بحث وتدريس* كلية الهندسة – جامعة البحرين




مع تغير درجات حرارة الطقس، انتعشت مؤخراً مبيعات المزروعات، وخصوصاً النباتات الداخلية سواء كان الشّراء من المشاتل أو إلكترونياً من المحلات الافتراضية، علماً بأن الأخيرة تفوقت تجارياً خلال فترة كورونا (كوفيد19) في ظل يسر توفر الخدمات الإلكترونية والتوصيل للمنازل.

والسر وراء هذا الإقبال هو ضرورة البقاء في المنزل في فترات محددة يقررها الفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا.. الأمر الذي كان له بالغ الأثر في تغيير سلوكيات الأفراد والمجتمع والتوجُّه لممارسة أنشطة منزلية تعود عليهم بالنفع، على رأسها اقتناء النباتات الداخلية والعناية بها. والجدير بالذكر أنّها أصبحت شغفاً للعديد من الأشخاص الذين أصبحوا يقضون أوقاتهم ويقومون بأعمالهم اليومية، أو أعمالهم الوظيفية وسط عالم أخضر جميل فواح.

وأكدت العديد من الدراسات العلمية أن زراعة النباتات الداخلية في البيوت والأماكن الداخلية "المكاتب، والمدارس، والشركات وغيرها" تعمل بشكل فعال على تحسين المزاج، وزيادة الإنتاجية والتركيز والإبداع في العمل، وتقلل الإحساس بالتعب والإجهاد، كما تقلل من خطر الإصابة بالأمراض "خصوصاً الأمراض التنفسية"، وذلك بسبب دورها الفعَّال الخفي في تنقية وتنظيف الهواء الداخلي في الغرفة وذلك عن طريق امتصاص الملوثات المختلفة "الكيميائية والحيوية"، وترطيب الهواء، وزيادة نسبة الأكسجين.

هناك مصادر عديدة لملوثات الهواء الداخلي، وقد ازدادت مع التطوُّر الصناعي والتكنولوجي حيث تم إدخال العديد من المواد الاصطناعية في إنتاج مواد البناء والديكور مثل الأخشاب الصناعية، والأصباغ، والسجاد، والأقمشة، والتنجيدات، وصناعة الأثاث، التي تتميز بظاهرة Off-gassing التي تبعث الغازات الكيميائية من المنتج بعد فترة من انتهاء التَّصنيع أو التركيب في المكان، وقد تطرأ بعض من هذه الأعراض على مستخدمي المكان كالصداع، والعطاس، والدوار أو حرقة في العين والأنف والحلق. فيجب - في هذه الفترة - ألا يستخدم المكان، وتتم تهويته بشكل جيد.. كما أنَّ الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية والحواسيب والطابعات له بالغ الأثر في انبعاث مركبات كيميائية تلوث الهواء الذي نتنفسه.

إضافة إلى استخدام البخور والعود وحرق الفحم لتعطير المنزل واستخدام معطرات الجو المختلفة ومواد التنظيف وملمعات الأسطح، فجميعها تتحد في تلويث الهواء الداخلي أضعاف مضاعفة مقارنة بالهواء الخارجي. كما أن تهوية المنزل عن طريق فتح النوافذ لا يكون دائماً مجدياً في تخفيف نسبة ملوثات الهواء الداخلية، خصوصاً إذا كان موقع المنزل قريباً من شارع مزدحم أو منطقة صناعية.

لذا بدأت الأبحاث العلمية تتمركز حول إيجاد حلول بيئية، اقتصادية وفعالة في تنقية الهواء الداخلي، ففي مطلع الثمانينات قام العالم بيل وولفيرتون لدى ناسا NASA بإجراء تجارب أثبتت فعالية النباتات الداخلية في تنقية الهواء الداخلي للمركبات الفضائية، وأنه يمكن زيادة فعاليتها بزيادة حركة مرور الهواء وملامسته للجذر الجذري "الجذور والتربة المحيطة" حيث إنها - بمساعدة الكائنات الدقيقة - تقوم بامتصاص فعّال للملوثات مع الجزء الخضري "الساق والأوراق".

وتوالت الأبحاث العلمية في العقود الثلاثة الأخيرة لاكتشاف قدرة هذه النباتات على تنقية الهواء الداخلي باستخدام بيئات مختلفة، ظروف محيطة مختلفة، وملوثات مختلفة. علماً أن هناك أكثر من 1000 فصيلة من النباتات الداخلية حول العالم وكل نبات له مميزات فريدة في المظهر الخارجي، وقدرات خفية في امتصاص الملوثات الغازية وغيرها.

لقد أبدع الخالق في خلقه حيث يقوم النبات بامتصاص وامتزاز الملوثات الغازية مع ثاني أكسيد الكربون من خلال الثغور على سطح الورقة، ومن خلال خلايا البشرة، ثم تدخل في عملية البناء الضوئي لينتج حمضاً أمينياً وسكراً وماء وأكسجيناً. ومن مظاهر عظمة الخالق أن هذا النبات يعمل بصمت مكرساً قوته وطاقته لتنقية وتنظيف الهواء الذي نحن من لوثناه بأنفسنا! فهو ينظف الهواء لنا.. وقد يتضرر فتصفرُّ أوراقه وتتساقط، لكنه يقاوم ويتجدد ويكبر ويواصل الحياة... وقد ينتكس ثم - بمشيئة الله - يتعافى وتعود الحياة تدب في أوراقه الجديدة النامية.. هذا هو المحارب صديق البيئة الاقتصادي، على عكس منقيات الهواء التجارية التي تنقي الهواء من نوع محدد فقط "الجسيمات الدقيقة" وقد تكون ملوثات جديدة في الهواء بسبب التفاعلات الثانوية التي تحصل داخله، هذا بالإضافة إلى غلاء سعر المنتج والصيانة.

إن زيادة الوعي المجتمعي بأهمية اقتناء النباتات الداخلية لأمر هام ليس فقط لتجميل المكان الذي نعيش ونقضي أكثر من 85% من يومنا فيه، بل لفوائده العظيمة في تنقية الهواء الذي نملأ رئتينا منه، لتقوم أجسامنا بعمليات الأيض المختلفة الضرورية للحياة.. مع ضرورة العلم والتثقيف بأساسيات العناية بالنباتات الداخلية بتوفير بيئة، وري، وتغذية، وحماية مناسبة حتى نتجنب الآثار السلبية لإهمال النبات ونتمتع بالمزايا الربانية المسخَّرة لنا لنعيش في صحة وسلام.