أميرة صليبيخ




لعل السبب الذي حرّضني على تطبيق التجربة من جديد هي الفوائد العظيمة التي استشعرتها، فهي ليست تجربة روحية بقدر ما هي عبادة منسيّة، فكل المعجزات ظهرت بعد الصوم عن الكلام، فالنبي زكريا رزق بيحيى وكذلك السيدة مريم رزقت بعيسى عليه السلام بعد امتناعهم عن الكلام.

أن تصوم عن الكلام يعني ألا تُحدّث أحداً من البشر، قد تستطيع أن تكتب لهم على ورقة ولكن لا يعني أن تقضي وقتك كله في الحديث عبر الورق. عليك أن تقطع تواصلك مع العالم الخارجي فلا هاتف ولا تلفزيون ولا أي اتصال عبر الإنترنت.

أنت لوحدك فقط في غرفتك. ضع نيتك وابدأ، الساعات الأولى ستكون غريبة ومزعجة بالنسبة لنا -نحن الغارقين- في حسابات التواصل الاجتماعي ولا نخلو بأنفسنا إلا وشاركنا هذه الخلوة هاتفنا النقال، نحيا في عالم افتراضي أكثر من عيشنا اللحظة والواقع. عائمون في مكان غير محدد ومشغولون بالآخرين طوال الوقت.

قليل منا من يلقي نظرة فاحصة وعميقة على الداخل. لذا كان لابد لي من هذه التجربة حتى أستعيد توازني قليلاً، وأتعرّف عن قرب على نفسي وأسمع صوتي الداخلي المغمور بأصوات الآخرين.

خلال يومك تستطيع القيام بالعديد من الأمور أثناء صمتك، منها التأمل، قراءة القرآن، ذكر الله، القراءة، كتابة الأهداف، ممارسة الرياضة والتلذذ بالطعام بمنتهى التركيز، لا تحتاج لالتقاط صور لتبهر آخرين لا يعنون لك شيئاً، ستتحرر من قيد الناس ونظراتهم وتعليقاتهم وتشجيعهم، أنت مع نفسك فقط، نفسك المنسية، في البداية جرّب أن تصوم لمدة نصف يوم فقط وأخبر عائلتك وأصدقاءك بالأمر حتى يتفهموا سبب انقطاعك عنهم وحتى تجنبهم القلق عليك. ثم زد في الوقت، وهكذا حتى تصل ليوم أو أكثر.

بالنسبة لي فإن ما شعرت به خلال هذه التجربة هو التحرر من مواقف كثيرة مررت بها وكانت لاتزال تسبب لي ألماً نفسياً دون إدراك، فحاولت التصالح معها ومسامحة الآخرين، ستشعر بصفاء روحي وأنك قادر على سماع صوت الإلهام القادم من مكان ما ستقدر قيمة كل كلمة تنطق بها وستقل رغبتك في الكلام والجدال مع الآخرين لأنك ستدخل مرحلة متقدمة من السلام الداخلي، ستقدر قيمة كل لحظة من عمرك، ستعثر على العديد من الإجابات التي كنت تبحث عنها، سيزداد تركيزك على الجمال والنعم التي تحيط بك وتدرك قيمتها، سيهدأ ضجيج الأفكار في رأسك، والأهم من ذلك سيزداد تواصلك مع الله، وفي النهاية لن تعود أنت كما كنت أبداً.