العاطلون عن الحياة
أحب أن أسأل الأشخاص الذين ألتقي بهم عن الكيفية التي يقضون بها يومهم وعن الكتب التي يقرؤونها -إن وُجدت- وهي عادة ذهنية لا مناصَ لي منها، أتبعها لتحليل شخصية المتحدث أمامي وفهم الخلفية القادم منها والأهم هو محاولة توقع كيف ستكون حياته القادمة.
في أغلب الأحيان تكون الإجابات متشابهة وتندرج تحت تصنيفات معينة مثل: تدريس الأطفال، بعض الأعمال المنزلية، زيارات عائلية، التزامات، والغالبية يقضون وقتهم في النوم وحسابات التواصل الاجتماعي والإبحار مع أفلام النيتفليكس! في الحقيقة ترعبني هذه الإجابات. ترعبني قدرة البشر -وهم بكامل قواهم العقلية- من تبذير أعمارهم في اللاشيء وكأنهم عاطلون عن تحقيق أي شيء في الحياة!
البعض يسعى بجهد وإصرار على «تضييع وقته» وكأن الوقت شيء فائض عن الحاجة وعليه التخلص منه بأي طريقة، متناسين أنه هذا الوقت هو عمرهم الذي يقل يومياً وبالتدريج ولا سبيل لإيقاف هذا التسرب إلى أن نوضع في قبورنا!
كثيرون هم على هذه الشاكلة، على اختلاف التزاماتهم، يفكرون كيف يضيعون اليوم بدلاً من كيف يستثمرونه بشكل صحيح! ربما هو نمط عقلي، ربما هي عدوى اجتماعية، ربما هي قلة وعي واستخفاف بالعمر، ولكن الأكيد إنه جهل بالقدرات الكامنة لدى كل شخص وكيف يمكن لدقائق بسيطة ومستمرة أن تؤثر على العمر القادم بأكمله! يكفي أن ترى تأثير دقائق بسيطة من التمرين يومياً في تغيير شكل العضلات! نحن نستهين بقيمة الدقائق وقدرتها الفائقة في صناعة التغيير.
لا تترك ساعات العمر تتبعثر وتتبخر بدون إنتاج، لا تكن من ضمن القطيع الذي يصر على عبور الحياة دون تحديد لوجهته، تاركاً ظروف الحياة تسّيره كيف تشاء، ثم تقول إنما هذا قدري وهذا ما كتبه الله لي!
أنت لست مسّيراً بل أنت مخيرّ وهذا هو المخيف في الموضوع بالنسبة للبعض، لأنهم غير قادرين على تحمل مسئولية حياتهم ويحتاجون أن يلقوا بالأعذار على أحد ما وغالباً ما يكون القدر. معذرة ولكننا لسنا بمسلوبي الإرادة بل نحن الإرادة ونحن من نصنع التغيير الذي نريد.
ما تكرره اليوم سترى ثماره في المستقبل القريب. من تعود على الإنجاز والعمل ستكون حياته انعكاساً لجهده، أما إضاعة الوقت فلن تجرّ سوى الخيبة والخواء. لست خبيرة في قراءة الطالع والفنجان ولكن المتوقع هو أن غدك سيشابه يومك بلا شك. فهي معادلة بسيطة جداً ولا تحتاج لمعدل ذكاء عالٍ لتفهم. والآن أخبرني كيف تقضي يومك؟