إن كان البعض يتحدث عن حركة وطنية ويقرنها بما حصل في 2011 من انقلاب صريح على الدولة ونظامها، فهو إنما يخدع نفسه ويكذب عليها، قبل أن يحاول خداع الآخرين.

امتداد الحركة الوطنية وتياراتها في البحرين قبر ومات، منذ أن تخلت هذه الحركات التي تلبس رداء الليبرالية عن هويتها، وآثرت التحول إلى ذيل وتابع لتيار ثيوقراطي راديكالي يميني متطرف، فتحول هؤلاء الليبيراليون -كما يدعون- إلى اتباع عمامة «الولي الفقيه»، أتباع تيار كان يشتم ويسقط بل ويكفر هؤلاء اليسار ويعتبرهم لا دينيين، وهو الوصف الصحيح لكثير منهم ممن اعتبر مناهج سياسية ورأسمالية وحتى اشتراكية أساساً يقدمه على الدين.

لكنها كما تعلمون مصالح، واجتماع على قضية وهدف واحد، يجعل التقارب بين الأضداد مسألة منطقية وبديهية، لكن مشكلة هؤلاء التي أدت إلى تعريتهم وأن يأخذ منهم الناس المخلصون لأرضهم المتمسكون بنظامهم موقفاً، هو أن التيارات المتناقضة في الإيمان والاتجاه، تلاقت على كراهية الوطن، ومحاولة سرقته لصالحها، معتقدة بأن شعب البحرين سيقف متفرجاً أو سيهب مؤيداً.

كل من تهافت للاصطفاف خلف هذا التحالف «المسخ» بين اليمين واليسار، نجزم بأنه لا تهمه البحرين، ولا يمتلك حباً حقيقياً لهذه الأرض، فالتلاقي على أرضية الانقلاب بين التضاد جمعهم بشأنها الرغبة في الاستحواذ على المقدرات، وانتزاع الحكم، وخلق كيان يتبع مرجعاً يتبع ولياً فقيهاً يتبع مرشداً إيرانياً.

قبل المنقلبون بذلك، أو رفضوا هذا شأنهم، فالحقيقة مكشوفة على أرض الواقع، وما رأيناه من مظاهر ينضح منها الكره والبغض وتفوح منها رائحة الطائفية، كلها تثبت بأن ما حصل انقلاب بوهم إمكانية الإسقاط، وما ادعاء رفع شعار الإصلاح، إلا محاولة المنهزم الخائب لإعادة كتابة التاريخ، عله يتمكن من استخدام ورقة الوطنية من جديد.

لا موقع حقيقياً من الإعراب، لتلك الأطياف التي تلصق نفسها بالليبرالية اليوم، وتحاول تصوير نفسها كتيارات وسطية تهمها مصلحة البحرين، ما حصل خلال المحاولة الانقلابية كشف كيف أن هؤلاء لم تكن لهم كلمة أصلاً ولا قيمة، المشهد برمته يقوده التيار الولائي التابع لـ «الولي الفقيه»، وصارعه بالدخول على الخط التيار المتشدد من الطيف نفسه، في حين استخدم البقية كما «الكومبارس» لزيادة العدد في الصورة، والأقبح لاستغلال عدد من العناصر التي تفاخر وتجاهر بأنها يسارية لا دينية بوصفها مكونات تمثل المجتمع السني، وهو استغلال مضحك مكشوف لدى الشعب البحريني المخلص.

ليس أخطر من الغباء السياسي الصادر من فئة تدعي المفهومية والمعلومية، بينما من تظن أنه متحالف معها، ليس إلا مستغلاً وضاحكاً على ذقونها، على غرار سياسة صناعة العملاء والطوابير الخامسة التي تمارسها إيران، اذ بالنسبة لها بائعو الولاء لهم تاريخ انتهاء صلاحية، ومن بعد أداء المهمة بنجاح أو الفشل فيها يرمون كما ترمى الأحذية البالية، اذ العرف هنا مثلما بينه القائد النازي هتلر، يفيد بأن عليك دائماً توفير رصاصة أخيرة في مخزن مسدسك لعناصر الطابور الخامس الذين ساعدوك، إذ من يقبل خيانة بلده، لا يمكنك أن تثق بإخلاصه أبداً.

من قمة السذاجة أن من نصب نفسه واجهة للتيار الليبرالي وممثلا عن تفريعاته، أن صدق وعد عناصر اليمين المتطرف بأنهم سينصبونه رجلاً ثانياً في دولة الانقلاب، إذ طائفيتهم الفاضحة كانت تكفي لبيان أنهم يلعبون بكم كما يلعب الذئب بالنعاج.

من تآمر على الدولة ودعا لإسقاط نظامها، ووقف مستقوياً بالناس تحت لافتة خيانة صريحة على منصة الدوار، ليخجل اليوم حينما يستصرخ أمام تطبيق القانون، ويقول إن وجوده ضمان للأمن والحرية والعدالة، والله ما ضيع الأمن إلا ترككم لتعبثوا على الأرض يمنة ويسرة، حتى وصلتم لصراحة التهديد بالسلاح والفوضى وإعادة استنساخ الانقلاب.

أضداد لا تتقابل، إلا على هدف مشترك، وفي حالتنا تلاقى الكارهون في تحالف «مسخ» أسقطته الدولة بقوة قادتها وإخلاص شعبها.