بيروت - بديع قرحاني

دعا الرئيس اللبناني، ميشال عون، الأحد، "اللاجئين السوريين إلى العودة لبلادهم"، قائلا إنه "يتقدم بمبادرة لإعادة الإعمار تتضمن تأسيس مصرف عربي لمساعدة المتضررين".

وجاءت دعوة عون في كلمة ألقاها خلال افتتاح القمة الاقتصادية العربية التي انطلقت، الأحد، في العاصمة اللبنانية بيروت.



وأوصى عون القوى العالمية بـ "بذل كافة الجهود الممكنة"من أجل عودة اللاجئين السوريين لوطنهم "من دون أن يتم ربط ذلك بالحل السياسي" هناك.

مواقف رئيس الجمهورية ومبادرته جاءت خلال الكلمة التي ألقاها باسم لبنان مفتتحا بها الدورة الرابعة من القمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية، التي انعقدت في بيروت، بعد تسلم لبنان رئاستها من المملكة العربية السعودية. وقد ترأس الرئيس عون الجلسة وعلى يمينه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ويساره وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل.

وأكد الرئيس اللبناني أن "لبنان قد دفع الثمن الغالي جراء الحروب والإرهاب، وهو يتحمل منذ سنوات العبء الأكبر إقليمياً ودولياً، لنزوح الأشقاء السوريين، مضافاً إلى لجوء الإخوة الفلسطينيين المستمر منذ سبعين عاماً، بحيث أصبحت أعدادهم توازي نصف عدد الشعب اللبناني، وذلك على مساحة ضيقة ومع بنى تحتية غير مؤهلة وموارد محدودة وسوق عمل مثقلة"، إضافة إلى "الاحتلال الإسرائيلي المتربص بنا، والذي لا ينفك يتمادى منذ سبعة عقود في عدوانه واحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية وعدم احترامه القرارات الدولية وقد وصل اليوم إلى ذروة اعتداءاته بتهويد القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل وإقرار قانون "القومية اليهودية لدولة إسرائيل". واعتبر في الوقت عينه "أن الأخطر من كل ذلك هو حال التعثر الداخلي والتبعثر التي يعيشها الوطن العربي".

وشدد الرئيس عون على "أن أول تحدٍ يواجهنا اليوم هو أن نجعل من كل الأحداث المؤلمة التي أصابتنا حافزاً للعمل سوياً على الخروج من الدوامة المفرغة لسلسلة الحروب وتداعياتها، والمضي بمسيرة النهوض نحو مستقبل أفضل لشعوبنا"، عارضا لسبل معالجة جذور هذه الأزمات داخليا من خلال "السعي إلى القضاء على الفقر الذي يولد عدم المساواة والحروب والإرهاب، كذلك محاربة الفساد والقيام بالإصلاحات الضرورية على كل الصعد وتأمين استقرار التشريع وعدالة القضاء لتوفير عامل الثقة للاستثمارات"، وإقليميا من خلال "عمل مشترك يقوم على على بناء الإنسان العربي، وحفظ حقوق المرأة وإبراز دورها الأساسي في مجتمعاتنا وحماية الطفولة، وتثقيف الشباب وتحصينهم علمياً، والتشجيع على معرفة الآخر"، مذكرا في هذا الإطار بدعوته إلى "إنشاء "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار" لما تشكّل من مساحة لقاء بين البشر".

وطرح عون سلسلة أسئلة في هذا الإطار، فقال، "أين نحن اليوم من السوق العربية المشتركة، والإجراءات المساعدة على تصريف الإنتاج الزراعي مع احترام الرزنامات الزراعية والمعاملة بالمثل التي تتيح التكامل العربي؟ وأين المشاريع الكبرى مثل مشاريع الربط بين الدول العربية بما فيها الربط الكهربائي، وكذلك منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وزيادة معدل الاستثمارات البينية والمباشِرة في الأقطار العربية؟ ألم يحن الوقت لتسهيل التبادل البري عبر النقاط الحدودية وفتح المعابر التي تسمح بمرور البضائع بين دولنا؟".

ودعا الرئيس عون "المجتمع الدولي إلى بذل كل الجهود الممكنة وتوفير الشروط الملائمة لعودة آمنة للنازحين السوريين إلى بلدهم، ولا سيما إلى المناطق المستقرّة التي يمكن الوصول إليها، أو تلك المنخفضة التوتر، من دون أن يتم ربط ذلك بالتوصل إلى الحل السياسي، وعلى تقديم حوافز للعودة لكي يساهموا في إعادة إعمار بلادهم والاستقرار فيها".

وتقدّم رئيس الجمهورية بمبادرة ترمي "إلى اعتماد استراتيجية إعادة الإعمار في سبيل التنمية" داعياً إلى "وضع آليات فعالة تتماشى مع هذه التحديات، ومع متطلبات إعادة الإعمار وفي مقدمها تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضررة على تجاوز محنها، ويسهم في نموها الاقتصادي المستدام ورفاه شعوبها وتحقيق أهداف التنمية المستدامة." وفي هذا الإطار، دعا كذلك "جميع المؤسسات والصناديق التمويلية العربية للاجتماع في بيروت خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لمناقشة وبلورة هذه الآليات".

وقد اعتبر الرئيس عون في كلمته "أن انعقاد هذه القمة في بيروت في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها المنطقة هو تأكيد على دور لبنان ورسالته في محيطه والعالم"، متمنيا لو كانت "مناسبة لجمع كل العرب، فلا تكون هناك مقاعد شاغرة"، ومؤكدا "أننا بذلنا كل جهد من أجل إزالة الأسباب التي أدت إلى هذا الشغور، إلا أن العراقيل كانت ويا للأسف أقوى"، أسفا أيضاً "لعدم حضور الإخوة الملوك والرؤساء ولهم ما لهم من عذرٍ لغيابهم" ومشددا "أن لمّ الشمل حاجة ملحة انطلاقاً من أن جبه التحديات التي تحدق بمنطقتنا وهويتنا وانتمائنا لن يتحقق إلا من خلال توافقنا على قضايانا المركزية المحقة، وحقوقنا القومية الجامعة.

وتبحث القمة الاقتصادية العربية التي تستضيفها العاصمة اللبنانية بيروت، الأحد، مشاريع قرارات أعدها وزراء الخارجية حول 29 بندا مطروحا على جدول الأعمال، في ظل مستوى التمثيل المتواضع للوفود، وغياب الغالبية الساحقة من الزعماء العرب واعتذارهم عن الحضور.

ومن أبرز البنود التي ستناقشها القمة، دعم الاستثمارات في الدول المضيفة للاجئين السوريين، والإسراع في إنشاء الاتحاد الجمركي العربي.

ويشكو لبنان ما يقول إنه عبء ناجم عن استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين منذ احتدام الأزمة في البلد المجاور سنة 2011.

وعقب استعادة الجيش السوري أغلب مناطق البلاد من الفصائل المسلحة، يقول المدافعون عن طرح العودة، إن الظروف باتت مناسبة لمغادرة اللاجئين السوريين.