العين الإخبارية

قُضي الأمر وكُلّف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة، ولكن في لبنان دائماً تبقى العبرة في التشكيل، إذ إن التكليف سهل والصعوبة فيما يليه.



يبدأ ميقاتي اليوم رحلة التأليف الشائكة عبر استشارات نيابية غير ملزمة يلتقي فيها الكتل النيابية في مجلس النواب، يناقش معهم طروحاتهم ويعطونه آراءهم حول المرحلة.

لقاءات تغلف يوما طويلا بروتوكوليا لا تأثير له على مسار المشاورات الحكومية الجدية التي عادة ما تدار في غرف مغلقة.

هل يعبر ميقاتي عقدة الحريري؟

ولكن يبقى السؤال الأساسي، هل ما فشل بتحقيقه الرئيس المكلف السابق سعد الحريري سيتمكن منه نجيب ميقاتي؟

في الإجابة لا يتردّد المراقبون عند الجزم بأنّ هامش المناورة ضاق أمام الجميع، وأنّ المساحة الواسعة التي حكمت المرحلة الماضية قد تقلّصت إلى الحدود الدنيا، إضافة إلى نسبة الضغوط الخارجية التي بلغت حدودها القصوى، بعدما لامست في نتائجها المقدّرة، الانهيارات الكبيرة التي تعيشها البلاد.

وبرأي الكاتب والمحلل السياسي جورج شاهين "لم يعد هناك ترف البحث عن بعض المصالح الشخصية الصغيرة، التي لا تتناسب مع حجم الكارثة التي قادت إليها المواجهة المفتوحة بين الرئيس ميشال عون وسعد الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري ".

وقال شاهين لـ"العين الإخبارية": "محاولات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إحياء المناكفات التي شهدتها المرحلة الأخيرة كانت كافية لتقود أبطالها الجدد إلى موقع باتوا فيه أسرى حصار كاد يكون شاملاً، بعدما تفرق أقرب الحلفاء من حولهم إلى درجة العزلة".

وأشار إلى أن "كل المعطيات التي قادت إلى التحركات الحاسمة أخيراً عبر تسمية رئيس حكومة، دفعت أهل السلطة إلى تبنّي المخارج الأكثر واقعية، والتي يمكن تحقيقها اليوم قبل افتقادها في الغد".

ويعلل شاهين جزئيته الأخيرة بـ"مخافة فقدان أية آلية يمكن أن تنتج مخرجاً لأي من الأزمات التي بلغت مختلف وجوه الحياة اليومية للدولة ومؤسساتها ومواطنيها والمقيمين على أراضيها".

حذر وواقعية

إلى ذلك يتعاطى ميقاتي وفريقه مع الموضوع بحذر وواقعية وهم يعلمون حجم المصاعب التي يواجهها لبنان.

وبدا ميقاتي متفائلاً بخصوص التأليف والعلاقة مع رئيس الجمهورية والتي تعتبر الخطوة الأبرز نحو انفراجة جزئية في الوضع المأزوم، ووضع خارطة طوارئ رئيسية لمعالجتها بالسرعة القصوى أهمها موضوع الكهرباء التي تشل الحياة في لبنان، إضافة إلى الدواء والمحروقات.

ويتكئ ميقاتي على دعم أساسي من باريس والتي بحسب مصادره وفّرت ما مجموعه ثلاثة مليارات دولار سيتمّ ضخها على مراحل حتى موعد الانتخابات النيابية، موزعة على ثلاثة أثلاث، واحد من قروض مدورة من البنك الدولي، وثاني يتمثل في مساعدات عاجلة لمنع الانهيار من صندوق النقد الدولي، والثالث من مساهمات الدول المانحة التي سيجمعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد تشكيل الحكومة طلباً لمليار دولار.

نسائم من القصر!

وعلى جانب رئاسة الجمهورية، فمنذ الأمس تشيّع مصادرها أجواء إيجابية في التعاطي مع الرئيس المكلّف، مؤكدة أن كل ما تردد عن وجود خلافات حول هذه الحقيبة الوزارية أو تلك، لا أساس له، لاسيما وأن البحث في تركيبة الحكومة لم يبدأ بعد بين عون وميقاتي.

وشددت المصادر على أن مقاربة مسألة تشكيل الحكومة سترتكز على ما يحقق مصلحة لبنان واللبنانيين في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي تمر بها البلاد، وأن التعاون بين عون وميقاتي كفيل بالوصول إلى هذا الهدف ضمن الأصول والقواعد الدستورية المعروفة.

وفي هذا الإطار، رأى الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي جورج يزبك أن "التكليف في لبنان سهل والتأليف صعب، وكأن التكليف واجب والتأليف حاجب".

موضحا أن "التكليف قائم على استشارات نيابية ملزمة، أما التأليف فدونه توافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف".

وفي هذه الجزئية الأخيرة أوضح أن " هذا هو الفرق بين المتوجب الدستوري والواجب الأدبي، فالأول محكوم بالنص، والثاني متروك لأخلاق الشخص وتربيته وتهذيبه. لكن حتى الدستور صار في لبنان وجهة نظر".

وقال يزبك لـ"العين الإخبارية": "الآن، هل يرى رئيس الجمهورية في ميقاتي خلاصاً من الحريري وطوق نجاة لتأليف الحكومة؟، هل يتوسم فيه شريكاً في مهمة الإنقاذ بالغة الصعوبة؟، أم يقرأ في محيّاه موفداً غير رسمي للرئيس المعتذر أو رجل مرحلة وبدل عن ضائع عن مجهول لا يزال عون يبحث عنه؟".

وأضاف: " الواضح أنه إذا خُيرّ الرئيس عون بين الحريري وميقاتي، لاختار الثاني، لكنّه بالتأكيد ليس نخبه الأول؟ فهل نحن أمام تقطيع وقت وحرق أوراق؟".

واستطرد: "من يعرف الرئيس ميقاتي يعرف أنه ليس رجل أحد، ولا مبعوث أحد ولا موفداً من أحد. فهو يشبه نفسه. لكن المشكلة في السقف الدستوري الذي رسمه الحريري نيابة عن كل رئيس حكومة، ولكل من تسوّل له نفسه أن يصبح رئيساً مكلفاً: حذار إشراك رئيس الجمهورية في التأليف المعقود لرئيس الحكومة".

وخلص يزبك إلى وجود مخرجين ليتحرر ميقاتي من هذا اللغم السياسي، فإما أن "يتساهل عون معه فتُحل المشكلة لمرة واحدة وأخيرة من دون أن تصبح عرفاً، وإما أن يبادر مجلس النواب إلى تفسير الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور التي تنص على أن رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة".

وفي المحصلة يتفق المراقبون على أن تشكيل أي حكومة ستساهم في الحد من الانهيار الحاصل، وأي خطوات جديدة ستكون بلجم الانحدار الكبير الذي يتعرض له، ولكن قبل التأليف هناك عوائق عديدة يجب على الجميع اجتيازها وتبقى العبرة بالتأليف.