سيد حسين القصاب - تصوير: حذيفة الجابر


مؤلف وشاعر ما يظهر منه ليس إلا «قمة جبل جليد»

لم أكن طالباً مجتهداً وإنما على «المزاج» ولم أكمل دراستي


حلمي كان السينما ولكن كل الظروف تكاتفت لمنعي

بداياتي في الكتابة كانت للفت انتباه فتاة أحببتها دون جدوى

كل عمل له مكانته في قلبي وجزء مهم من تاريخي


عندما نقول أمين صالح، فإن أول ما يقفز إلى البال الكاتب والسيناريست السينمائي والتلفزيوني والمسرحي والناقد السينمائي والشاعر والروائي، لكن هل خطر بالبال يوماً بأن هذا ليس إلا قمة جبل جليد ما زال كثير من أسراره وخفاياه وخباياه بعيدة عن أعين العشاق والمعجبين بأديب كان حلمه يوماً أن يكون سينمائياً حتى أنه كان يسير مسافات طويلة من أجل حضور فيلم في سينما «بن هجرس»، لكن فقر الحال منعه عن حلمه، بينما كانت حكايات جدته تدفعه قدماً ليصبح الروائي الذي نعرفه، ومن ثم عشق فتاة جعله الشاعر الذي نحب.

في حوار مع «الوطن» أردنا الغوص إلى أعمق نقطة من جبل الجليد المخفي من أمين صالح، فأعطانا بعضاً مما أردنا، عبر كشف تفاصيل مهنية وحياتية وشخصية بينها أنه كان يوماً لاعب كرة قدم، وأنه كان طالباً مزاجياً وغير متفوق بمدرسته حتى أنه لم يكمل دراسته.

ولم يبخل أمين صالح بالحديث عن طفولته وعلاقته بفريج الفاضل «العالم المستقل» على حد وصفه، حيث كان الحب وقبول الآخر والعيش المشترك السمة الأجمل لحي يضم السني والشيعي والبحريني وغير البحريني، وكلهم على قلب رجل واحد، إضافة إلى سرد مفارقات هذا الحي الذي كانت فيه بيوت الفقراء من طين والأغنياء من عريش، لكن أي فروقات طبقية لم تكن موجودة بين أهله.

ورغم النجاحات الكبيرة، لم يخف أمين صالح مروره بلحظات ندم، بينها عندما توجه إلى فرنسا لدراسة السينما، حيث كان من متطلبات القبول أن تكون لديه شهادة مدرسية، وكما علمنا من صالح فإنه لم يكن مولعاً في صغره بالدراسة، وهو ما ندم عليه كثيراً.

وتبقى أكبر المفارقات في تحول أمين صالح إلى الأديب والروائي الذي نعرفه اليوم، أن الفتاة التي مال قلبه لها ولم تكن تنتبه إليه، بدأ الكتابة لأجلها وأرسل أولى محاولاته للنشر في بريد القراء في إحدى الصحف عله يثير إعجابها، فكانت النتيجة أنها لم تنتبه للأمر كله.

وعن «الظلم» الذي يتعرض له كاتب سيناريو الأعمال الدرامية، أسهب صالح بالحديث عن تغيير كثير من ما يكتبه «السيناريست» أثناء تنفيذ العمل، سواء من المخرج أو الممثل، حتى أنه اعتبر أن كاتب السيناريو الذي يتم الحفاظ على 70% من كتابته دون تغيير يكون «محظوظاً»، لأنه في بعض الأحيان من الممكن أن يتم تغيير «نصف العمل» وأحياناً أخرى بعد التصوير والعرض يكتشف الكاتب أن ما أنجز من عمله «لا يتعدى الـ 30% فقط». وفيما يلي نص الحوار:

حدثنا عن أمين صالح بشكل مختصر؟

- ولدت عام 1950 في المنامة «فريج الفاضل» في عائلة مترابطة ومتسامحة، ولم أشعر برغبة في التمرد، حيث كان الجو متسامحاً إلى أبعد حد، وكان والدي عاملاً لمسجد ولكنني لا أتذكر بأنه وبخني على تصرف معين في يوم من الأيام، وإنما كان يعطي أبناءه الحرية المطلقة ولكن مع ضمان دون الوقوع في خطأ جسيم، وبالنسبة إلى طفولتي فقد كنت أحب لعب كرة القدم، ولعبت في فريق «الترسانة»، وتوقفت عن ممارسة كرة القدم عندما أتيحت لي فرصة العمل في عام 1968، ولابد أن أشير إلى أنني كنت مولعاً منذ صغري بالسينما، حيث كنت أذهب مع أصدقائي إلى سينما «بن هجرس» مشياً على الأقدام ولم نكن نشعر ببعد المسافة بسبب ولعنا بالسينما.

وبالنسبة إلى حي الفاضل ما الذي مازلت تتذكره منه؟

- قضيت طفولتي في حي الفاضل مع العديد من الأصدقاء من مختلف الديانات والجنسيات في ظل أجواء تعايش، ولم نكن نفرق بين سني أو شيعي، أو بحريني وغير بحريني، ما جعل هنالك حالة تقبل للآخر، حيث كل ما كنت أهتم له هو أنني برفقة أصدقاء على قلب واحد، كما أن حي الفاضل به الأغنياء والفقراء، وكانت توجد بيوت الأغنياء من طين وبيوت الفقراء من عريش، ولكن لم توجد فوارق طبقية واجتماعية بين الناس، كما أن حي الفاضل كأنه عالم مستقل بذاته، وخروجنا من حي إلى آخر أشبه بالسفر.

كونك كاتباً وأديباً، هل كنت تلميذاً متفوقاً ومحباً للدراسة؟

- أتذكر كانت الدراسة على 3 فترات، حيث كنا نعطى شهادة لكل فترة، وفي الفترة الأولى كنت في المرتبة السادسة والعشرون على الصف، وذلك يعتبر ترتيب متأخر، وعندما جاءت الفترة الثانية عندما كان المدرس ينادي بالشهادات، قال: «هنالك شيء مفاجئ وغريب، حيث يوجد هنالك تلميذ في الفترة الأولى كان السادس والعشرين، وأما الآن في الفترة الثانية هو السادس، واسمه أمين عقيل»، وهذا دليل على أنني كنت طالباً جيداً ولكن الدراسة كانت بالنسبة لي على «المزاج»، إذا أردت أن أحرز علامات جيدة أستطيع وإذا لم أرد فلن أدرس، وفي الحقيقة لم أكن مولعاً بالدراسة وتركتها في مرحلة التوجيهي.

بعد هذه السنين، هل تعتقد قرار ترك المدرسة كان صائباً؟

- نعم ندمت عندما توجهت فيما بعد إلى فرنسا لدراسة السينما، حيث كان من متطلبات القبول أن تكون لدي شهادة مدرسية.

متى بدأت الكتابة وماذا كتبت؟

- بدأت الكتابة في عمر التاسعة عشر، ولم يكن دافع الكتابة دافعاً أدبياً، حيث أول ما كتبته هو قصة وجدانية لكي ألفت نظر فتاة في الحي كنت أميل لها، وكانت لا تعطني أي انتباه، فكتبت هذه القصة لكي ألفت انتباهها، ونشرتها في «بريد القراء»، ولكن مع ذلك لم تقرأ القصة ولم أستطيع لفت انتباهها، ومن ثم نما في داخلي حب الكتابة بسبب ظهور اسمي في الجريدة، فبدأت القراءة والكتابة بشكل أكثر، وانتقلت من الرومانسية إلى الكتابات الواقعية التي تتكلم عن الواقع الذي نعيش فيه وتوصيفه، ومع الوقت بدأت كتابتي تتطور مع تراكم التجربة والخبرات.

ما الذي جعلك تحب الكتابة والمواصلة فيها؟

- من القراءة بالدرجة الأولى، لأنه بسبب القراءة يملك الإنسان مخزوناً كافياً من المعلومات والمفردات التي قد تساعده عند الكتابة، كما أن القراءة تجعل الشخص يود في يوم من الأيام أن يتجه للكتابة، إلى جانب عنصر اعتبره جداً مهماً شجعني وحببني في القراءة وهو حكايات الجدة، حيث كانت جدتي رحمها الله مذهلة في سرد الحكايات والقصص الخيالية والغرائبية، وكانت تسرد بشكل مثير وجذاب، وكانت تعلم أين تنهي القصة في اليوم لكي تكملها في يوم الغد، وذلك من باب مصدر التشويق لكي ننتظر بفارغ الصبر إلى اليوم التالي لسماع تكملة القصة، وهذا اعتبره مصدراً رئيسياً في ولعي بالكتابة وسرد القصص.

بالإشارة إلى أعمالك، ما هي أهم أعمالك الأدبية؟

- لا أميل إلى تفضيل عمل على عمل، لأنها كلها محطات في حياتي تعلمت منها واستمتعت فيها، حيث كتاباتي في مرحلة السبعينات مهمة لي، وأيضاً مرحلة الثمانينات والتسعينات، لذلك لا أستطيع تفضيل مرحلة على أخرى، حيث إن كل عمل له مكانته الخاصة في قلبي وجزء مهم من تاريخي في الكتابة.

حدثنا عن حلمك في دراسة السينما.

- كانت رغبتي الأولى دراسة السينما ولكن لم أستطع بسبب ظروفي المادية، إضافة إلى العراقيل التي أصابتني في فرنسا، حيث ذهبت أنا والفنان التشكيلي والمخرج السينمائي عبدالله يوسف والشاعر يعقوب المحرقي مع زوجته كلثم أمين إلى فرنسا في مدينة غرونوبل لدراسة السينما، وتقدمنا لطلب منحة من السفارة الفرنسية وجهات ثقافية، ولكن من سوء حظنا كان هناك إضراب مواصلات ونقل، حيث تعطلت جميع وسائل النقل، واستمر الأضراب لفترة طويلة، ونحن لم نكن نملك المال الكافي في ذلك الوقت، ففي نهاية المطاف قررت أنا وصديقي عبدالله يوسف الرجوع إلى البحرين، بسبب عدم امتلاكنا موارد مالية تكفينا للعيش في فرنسا حتى نهاية الإضراب، وبقي في فرنسا يعقوب المحرقي وزوجته كلثم أمين، ولحسن حظهم حصلوا على البعثة فور رجوعنا، واستمروا في إكمال الدراسة.

بعد انتهاء حلم السينما، إلى أين توجهت؟

- بعد رجوعنا من فرنسا في الثمانينات، كان تلفزيون البحرين متوجهاً إلى الدراما ويطلب سيناريوهات درامية، فكتبت سيناريو العطش عن قصة إلى خلف أحمد خلف وإخراج عبدالله يوسف، وقدمنا العمل كسهرة تلفزيونية، وفي أواخر الثمانينات بدأ الإنتاج التلفزيوني ينشط في البحرين، وبدأ الارتفاع على طلب الأعمال ودخول المنتجين في الفن الدرامي، وفي عام 1990 كتبت فيلم الحاجز وأخرجه بسام الذوادي، وبعد ذلك كتبت سيناريوهات قصيرة لمخرجين شباب، مثل حسين الرفاعي ومحمد راشد بوعلي والقرمزي.

ما الجوائز التي حصلت عليها؟

- حصلت عدة مرات على جائزة إدارة الثقافة التي تمنح لأفضل الكتب، كما حصلت على جائزة العويس مؤخراً، وتكريم من جهات ثقافية، بالإضافة إلى وسام الملك من جلالة الملك المعظم.

كيف ترى موضع الكاتب من العمل الفني؟

- الكاتب يعرف في الوسط الفني، إما من خلال الجمهور فالكاتب يعد مظلوماً، وذلك بسبب أن النجم الأول في العمل الفني هو الممثل، ومن ثم المخرج، وأخيراً هو الكاتب الذي في الغالب لا يذكر، حيث لا يلقى الإنصاف بالشكل الذي يستحقه، ولكنني أعتقد أن هذا الشيء طبيعي، والدليل عندما ننظر إلى الأعمال العالمية، نرى أيضاً نفس العملية، والكل منا يعرف أسماء الممثلين العالميين، وبدرجة أقل أسماء المخرجين، وأما الكاتب من النادر أن يعرفه أحد، وهذه التراتبية طبيعية في كل الأعمال الفنية سواء الخليجية أو العربية أو العالمية، كما أن الكاتب يُظلم في عمله من خلال تغيير الكتابة أثناء تنفيذ العمل، من مخرج أو ممثل، وأنا أعتقد لو ينجز 70% من عمل الكاتب دون تغيير فهو كاتب محظوظ، لأنه في بعض الأحيان من الممكن أن يتم تغيير نصف العمل وأحياناً أخرى بعد التصوير والعرض يكتشف الكاتب أن عمله الذي أنجز 30% فقط.