زهراء حبيب:

ألزمت المحكمة الكبرى الإدارية بلدية الجنوبية بتعويض ورثة لعقار في عسكر بسداد 109 آلاف 856 ديناراً لاستيلائها على الأرض مساحتها 3433 قدم مربع، وإقامة مبنى تابع للبلدية منذ عام 2001 ودون صدور قرار باستملاكها.

ورفع الورثة دعوى أمام المحكمة الإدارية كونهم يمتلكون العقار الكائن في عسكر بعد وفاة مورثهم عام 1962، فوجئوا باستيلاء الدولة على ذلك العقار وإقامة بناء عليه خاص ببلدية المنطقة الجنوبية، دون اتباع الإجراءات التي يوجبها قانون نزع الملكية للمنفعة العامة بما يجعل الاستيلاء بمثابة غصب للأرض محل التداعي والتي كان عليها بناء خاص بمورثهم وتم هدمه بمعرفة جهة الإدارة، واختتموا لائحة دعواهم بمطالبتهم بإلزام المدعى عليهم بإلغاء قرار الاستملاك وتسليم المدعين الأرض محل التداعي بالبناء الذي كان مقاماً عليها، واحتياطاً ندب خبير في الدعوى يكلف بتحديد مساحة العقار محل التداعي وتاريخ غصبه وقيمة سعر القدم المربع وما لحق المدعين من ضرر وما فاتهم من كسب وما يستحقونه من تعويض، بالإضافة إلى رسوم ومصروفات الدعوى وأتعاب المحاماة.



وقدم المدعون سنداً لدعواهم نسخة من وثيقة ملكية العقار موضوع التداعي، ونسخة من شهادة حصر ورثة ثابت بها وفاة مورثهم عام 1962.

ولم تحضر المدعي عليها الأولى بلدية المنطقة الجنوبية رغم إعلانها قانوناً، فيما حضر ممثل المدعي عليها الثانية وزارة الإسكان وقدم مذكرة والدفع برفعها من غير ذي صفة، كما دفعت المدعي عليها الثالثة وزارة البلديات بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للوزارة.

وقضت المحكمة قبل الفصل في الموضوع بندب خبير هندسي في الدعوى، والذي باشر مأموريته وورود تقريره الذي انتهى إلى أن مورث المدعين كان يمتلك العقار موضوع التداعي حيث تم إصدار وثيقة عقارية باسمه، وأن مساحة العقار تبلغ 3433 قدم مربع، ولم يصدر في شأنه قرار استملاك، وإنما تم الاستيلاء عليه لإقامة مبنى المدعى عليها الأولى - بلدية المنطقة الجنوبية - وانتهى الخبير إلى تقدير سعر القدم المربع من عقار التداعي بمبلغ 32 ديناراً.

وقالت المحكمة بشأن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة إلى وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني، فإن المستفاد من نصوص المرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2001 بإصدار قانون البلديات أن كل بلدية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري ويكون لكل بلدية جهاز تـنفيذي يشكل من وحدات إدارية ويرأس الجهاز التـنفيذي لكل بلدية مدير عام وهو الذي يمثـله أمام القضاء وفي مواجهة الغير، ولما كان المستقر عليه أن الدعوى يجب أن توجه إلي من يمثل الشخص الاعتباري العام الذي أصدر القرار المطعون فيه أمام القضاء، فهو وحده صاحب الصفة في أن يختصم كمدعى عليه في الدعوى.

وكان الثابت من تقرير الخبير المنتدب في الدعوى أن العقار محل التداعي تم الاستيلاء عليه لإقامة مبنى المدعى عليها الأولى - بلدية المنطقة الجنوبية - والذي يعود إلى سنة 2001 على أقل تقدير، ومن ثم تكون الأخيرة هي صاحب الصفة في أن تختصم في الدعوى الماثلة دون وزارة البلديات، ويغدو الدفع الماثل في محله، بما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة إلى وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني.

كما إن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة إلى وزارة الإسكان، فهذا الدفع في محله، فالثابت بأن وزارة الإسكان لا علاقة لها بالاستيلاء على الأرض موضوع التداعي، بما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة.

وفيما يخص طلب المدعين بإلغاء قرار الاستملاك الصادر في شأن الأرض موضوع التداعي وتسليمهم الأرض محل التداعي بالبناء الذي كان مقاماً عليها، فالثابت من تقرير الخبير - والذي تطمئن إليه المحكمة - عدم صدور قرار استملاك في شأن الأرض موضوع التداعي، وإنما تم الاستيلاء عليها لإقامة مبنى بلدية المنطقة الجنوبية - والذي يعود إلى سنة 2001 على أقل تقدير، وأن معالم البناء الذي كان مقاماً على تلك الأرض قد اندثرت مع نهاية حقبة تسعينات القرن الماضي بعدما تم هدم ذلك البناء وإقامة مبنى البلدية، بالإضافة إلى وجود أملاك خاصة وحكومية في الجهتين الشمالية والغربية لحدود هذه الأرض، الأمر الذي يغدو معه ذلك الطلب - والحالة هذه - قائماً على غير سند من الواقع والقانون جديراً بالرفض.

وعن طلب التعويض عن الاستيلاء على الأرض موضوع التداعي، فإن مناط مسئؤولية الإدارة الموجبة للتعويض هو توافر ثلاثة أركان هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية ؛ بحيث لا تقوم مسؤولية الإدارة إلا بوقوع خطأ من الإدارة في مسلكها وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر وتتوافر علاقة السببية بين خطأ الجهة الإدارية والضرر الذي لحق بصاحب الشأن بحيث يكون خطأ الإدارة هو السبب المباشر لما لحق بصاحب الشأن من ضرر، فإذا تخلف ركن من أركان هذه المسؤولية امتنع التعويض.

وحيث إنه من المستقر عليه أن استيلاء الحكومة على العقار جبراً عن صاحبه دون اتخاذ الإجراءات التي يوجبها قانون نزع الملكية يعتبر بمثابة غصب يستوجب مسؤوليتها عن التعويض ويكون شأن المالك عند مطالبته بالتعويض شأن المضرور من أي عمل غير مشروع، له أن يطالب بتعويض الضرر سواءً ما كان قائماً وقت الغصب أو ما تفاقم من ضرر بعد ذلك.

كما إن المستقر عليه أن لمحكمة الموضوع سلطة تقدير التعويض المناسب لجبر الضرر بغير تعقيب عليها ما دامت قد بينت عناصر الضرر التي اتخذتها أساساً لتقدير التعويض.

وأكدت المحكمة بناء على تقرير الخبير، فأن العقار المملوك لمورث المدعين تم الاستيلاء عليه من قبل البلدية، لإقامة مبنى تابع للبلدية يعود إلى عام 2001 على أقل تقدير، دون أن يصدر قرار في شأن استملاك ذلك العقار، ودون تعويض المدعين عن ذلك، وهو ما لم تجحده المدعى عليها الأولى التي لم تمثل بالتداعي لتدفع الدعوى بثمة دفع أو دفاع رغم إعلانها على النحو المقرر قانوناً، الأمر الذي يعتبر معه ذلك الاستيلاء بمثابة غصب يستوجب مسئولية جهة الإدارة بتعويض الضرر الناتج عن ذلك، لاسيما مع استحالة التنفيذ العيني بتسليمهم الأرض محل التداعي، بسبب إقامة مبنى البلدية .

وخلص الخبير في تقريره إلى تقدير قيمة القدم المربع من العقار محل التداعي بمبلغ وقدره 32 ديناراً، وأن مساحة ذلك العقار 3433 قدم مربع، وكانت المحكمة تطمئن إلى ذلك التقرير، وعليه تقضي بإلزام بلدية المنطقة الجنوبية بأن تؤدى للمدعين مبلغًا وقدره 109856 ديناراً، على النحو المبين بالأسباب، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت المدعى عليها الأولى المصروفات وأتعاب الخبرة وعشرين ديناراً مقابل أتعاب المحاماة

وترأس الجلسة، القاضي جمعة الموسى وأمانة سر عبدالله إبراهيم.