دعا عضو هيئة التشريع والإفتاء القانوني المستشار المساعد خليفة الظهراني المشرع البحريني إلى تنظيم أحكام غرامة التأخير في عقد الأشغال العامة وأحكام الإعفاء الجوازي والوجوبي منها ضمن أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية البحريني، داعياً مجلس المناقصات إلى استحداث عقود نموذجية وتعميمها الجهات الحكومية للالتزام بها.

جاء ذلك في رسالته لنيل درجة الماجستير في القانون العام "القانون الإداري"، التي حملت عنوان "ضمانات غرامة التأخير في عقد الأشغال العامة في التشريع البحريني والمقارن" بتقدير امتياز من كلية الحقوق بجامعة البحرين.

واعتمد المستشار في أطروحته المنهج الوصفي والمنهج التحليلي المقارن للأنظمة القانونية في مصر والكويت والبحرين من خلال تحليل النصوص القانونية والبنود التعاقدية واستعراض آراء الفقه وأحكام القضاء وتحليلها.


وعرف الظهراني غرامة التأخير في عقد الأشغال العامة، بأنها تعويض جزافي محدد مسبقاً في العقد عن الضرر المفترض وقوعه نتيجة تأخر المقاول في تنفيذ التزاماته عن المواعيد المتفق عليها، يتم اقتضاؤه مباشرةً بمجرد حصول التأخير دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو إثبات حصول الضرر كجزاء مالي ينتقص من الحقوق المالية للمقاول لحثه على الالتزام بالتقيد بتلك المواعيد، ضماناً لاستمرار إنشاء وسير المرافق العامة بانتظام واطراد.

وشدد على أهمية أن تحرص الجهات الحكومية في البحرين، على أن تضمن عقودها الإدارية نص يمنحها سلطة فرض غرامة التأخير، في ظل نقص التنظيم التشريعي للغرامة في عقد الأشغال العامة بمملكة البحرين.

وخلص الظهراني إلى أن كون غرامة التأخيرتعد جزاءً مالياً مقرراً لضمان إنشاء واستمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد، فإن ذلك لا يعني أنها عقوبة تفرضها الإدارة على المقاول بقدر ما يكفل لها هذا الجزاء التزام هذا الأخير بتنفيذ العقد خلال المواعيد المتفق عليها، ومن ثم يجب أن ينص عليها في العقد.

وأشار إلى أن عدم قيام جهات الحكومية بالنص على غرامة التأخير في ظل نقص التنظيم التشريعي سيضطرها للجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض إذا ما ترتب ضرر نتيجة التأخير من قبل المقاول، مضيفا "أما في حال النص على غرامة التأخير فأن لتلك الجهات اقتضاء الغرامة مباشرة بمجرد حصول التأخير وبدون الحاجة لإثبات وقوع الضرر".

ودعا إلى أهمية تحديد الأسس المادية والزمنية لهذه الغرامة وفقاً لنص خاص يوضح الحد الأدنى والأقصى للغرامة ومدة فرضها، ويفرض على الإدارة التقيد بما تم الاتفاق عليه والالتزام بحدود مشروعية فرض هذا الجزاء، مشدداً على أهمية تحديد تلك الأسس بقوله "حتى لا يتم اقتضاء غرامات إلى ما لا نهاية أو بمعنى آخر أن تصبح غير مشروعة".

وأكد أهمية أن يتم الاتفاق على تحديد الأسس المادية لغرامة التأخير، إما في العقد أو اللجوء إلى تطبيق النص التشريعي لهذا التحديد إذا ما خلا العقد منه.

وأضاف "من خلال دراستنا للأسس المادية والزمنية لغرامة التأخير في عقد الأشغال العامة نخلص إلى أن هذه الأسس ترتبط بتأخر المقاول عن مواعيد تنفيذ الالتزامات التعاقدية، سواء كانت هذه الأسس محددة في العقد، أو في التشريعات، ومن ثم يبدأ سريان الأسس المادية والزمنية لغرامة التأخير من تاريخ تأخر المقاول عن هذه المواعيد، ويظل تصاعد نسب هذه الغرامة في ضوء تلك الأسس بالتزامن مع استمرار مدة التأخير إلى نهاية المدة المحددة لفرض هذه الغرامة".

وتابع "وعلى قدر ما للتنظيم التشريعي للأسس المادية والزمنية لغرامة التأخير في عقد الأشغال العامة من أهمية في تنظيم الإطار القانوني لتلك الأسس لعدم فتح المجال واسعاً أمام الإدارة في تنظيمها لها على نحوٍ قد يكون مبالغاً فيه، مما يجعل من هذه الغرامة قابلة للطعن بعدم المشروعية أمام القضاء".

وأشار إلى أن التشريع البحريني خلا من التنظيم هذه الأسس، وترك أمر تنظيمها لمحض إرادة الإدارة أو وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين الطرفان المتعاقدان في العقد.

وأضاف الظهراني "لذا فإننا نهيب بالمشرع البحريني الأخذ بمثل تنظيم المشرع المصري لتحديد الأسس المادية والزمنية لغرامة التأخير في عقد الأشغال العامة ضمن أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية ولائحته التنفيذية".

وأوضح أن الجهات الحكومية والرسمية تتمتع بهذه الصلاحية في عقودها الإدارية تحقيقاً لمصلحة عامة تتمثل في ضمان استمرار إنشاء وسير المرافق العامة بانتظام واطراد.

وبين أن استخدام الجهات الحكومية لتلك الصلاحيات يخضع لرقابة القضاء اللاحقة في مدى مشروعيته "تُعد الرقابة القضائية في أنظمة الدول محل المقارنة أهم ضمانات المقاول تجاه قرار الإدارة بفرض غرامة التأخير عليه، فللقاضي إما أن يقضي بعدم مشروعية القرار إذا ما أشابه أحد عيوب المشروعية، ومن ثم إلغائه، أو أن يقضي بعدم مشروعية الجزء المبالغ فيه لمبلغ الغرامة الذي اقتضته الإدارة عند مراقبته لمدى ملاءمة هذا القرار لإخلال المقاول بالتأخير".

وأضاف الظهراني في توصياته "نأمل من المشرع البحريني تنظيم أحكام سلطة الإدارة في الحجز والخصم لاقتضاء غرامة التأخير وغيرها مما يستحق لها من مبالغ لدى المقاول من التأمين النهائي المقدم منه ومستحقاته بموجب العقد ذاته، أو أية تأمينات ومستحقات بموجب عقود أخرى، سواء، مع الجهة الإدارية ذاتها، أو لدى أية جهة إدارية أخرى ضمن أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات البحريني، وذلك ضماناً لاستقرار أحكام سلطة الإدارة في اقتضاء غرامة التأخير وغيرها من مستحقاتها المالية".

ونوه الظهراني إلى أن العقود الإدارية لا تتضمن فقط امتيازات للجهة الحكومية فقط، وإنما تتضمن كذلك حقوق وضمانات للمتعاقد معها، مضيفا "أن المقاول يجب أن يتمتع بموجب هذا العقد بعدة ضمانات تكفل له مشروعية هذا الجزاء وعدم تعسف الإدارة في إصدارها لقرار فرض غرامة التأخير عليه ومن ثم تمكينه من الدفاع عن حقوقه في مواجهة قرار هذا الجزاء، وإلا كان له الحق في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بإلغاء قرار فرض هذه الغرامة أو التعويض عما لحقه من ضرر نتيجة ذلك".

وأوضح أن العقود الإدارية التي تبرمها الجهات الحكومية تختلف عن العقود التي يبرمها الأفراد بين بعضهم، حيث إن العقود الإدارية تهدف لإنشاء أو تسيير المرافق العامة، بينما تسعى العقود المدنية التي يبرمها الأفراد إلى تحقيق مصالح خاصة بهم، فالمراكز القانونية للمتعاقدين في العقود الإدارية غير متساوية، بينما هي كذلك في العقود المدنية".

وذكر أن الضمانات التي يتمتع بها المقاول في العقود الإدارية تتمثل في ضمانات شكلية وموضوعية وقضائية، موضحاً "أن الضمانات الشكلية هي الإجراءات السابقة لإصدار قرار فرض هذه الغرامة في مواجهة المقاول بإخلاله بالتأخير، أما الضمانات الموضوعية فهي حالات الإعفاء الوجوبي من الغرامة حال تحقق مناط استحقاقها".

وقال "أما الرقابة القضائية فهي الضمانة التي يمكن أن يلجأ إليها المقاول بعد إصدار قرار فرض هذه الغرامة بحقة ليتثبت القضاء من مدى أحقيته في إعفاؤه منها، أو مدى ملاءمتها لإخلاله فيحكم له بذلك".

ودعا المشرع البحريني لتنظيم أحكام الضمانات الشكلية للمقاول تجاه غرامة التأخير، إذ لا بد من إلزام الجهات الإدارية بالتريث في إصدارها لقرار فرض الغرامة بحق المقاول واتباع إجراءات معينة لفرضها على نحو يضمن تمكينه من إصلاح إخلاله بالتأخير، ودفاعه عن حقوقه بالرد على أسباب هذا القرار، بالإضافة إلى أن يصل إلى علمه مضمون القرار حال صدوره، ويتحقق ذلك بإلزام الإدارة بإعذار المقاول بالغرامة، وتسبيبها لقرار الغرامة، وإعلان هذا القرار حال صدوره في مواجهته".

وأشار إلى أن من خلال دراسته للأنظمة القانونية الثلاث محل المقارنة "البحرين، مصر، الكويت"، اتضح له أن ضمانات الإدارة لاقتضاء غرامة التأخير بموجب عقد الأشغال العامة تفوق ضمانات المقاول بالنسبة لهذه الغرامة، مضيفا "ومع عدم وجود توازن بين ضمانات المقاول والإدارة تجاه هذه الغرامة، فإن ذلك ما قد يجعل الإدارة تتعسف في استعمالها لسلطتها في مواجهة المقاول بهذا الجزاء".

ونوه إلى وجود حالة يعفى منها المقاول من الغرامة رغم وجود التأخير تتمثل في حالة كون التأخير بسبب فعل صادر من الجهة الحكومية المتعاقدة نتيجةً لاستخدام الإدارة لسلطتها في العقد أو نتيجةً لإخلال الإدارة بالتزاماتها بموجب العقد، وأيضاً في حالة وجود القوة القاهرة أثناء تنفيذ المقاول للعقد ما أدى إلى استحالة تنفيذه للعقد استحالة مطلقة، سواء، في جزء من العقد أو بأكمله، على أن يكون حدوث هذه القوة أمراً خارجاً عن إرادة الطرفان، ولم يمكن بإمكانهما توقعه، وإبلاغ المقاول للإدارة فوراً بذلك".

وخلص الظهراني إلى وجود تشابه لضمانات الإدارة لاقتضاء غرامة التأخير في عقد الأشغال العامة في أنظمة الدول الثلاث محل المقارنة، إلا أن حدود سلطة الإدارة تجاه تلك الضمانات تختلف عن بعضها في أنظمة هذه الدول، فهي تكون أضيق نطاقاً في البحرين عن الدول الأخرى محل المقارنة، مما يجبر الإدارة في المملكة على اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض على الرغم من إمكانية توسيع نطاق هذه السلطة".

ونوه إلى أن وجود الجهات الحكومية كطرف في التعاقد لا يعني أن العقد يعتبر عقد إداري، بل لابد من أن يتصل بمرفق عام وهو ما قضت به محكمة الاستئناف العليا الثالثة البحرينية في أحد أحكامها".

وأضاف أن المحكمة الكبرى المدنية البحرينية بدائرتها الإدارية قضت في أحد أحكامها بأنه "...حينما تبرم الإدارة عقداً من العقود لا يُعد بذاته عقداً إدارياً؛ حيث إن العقود التي تبرمها كشخص من أشخاص القانون العام بمناسبة ممارستها لنشاطها في إدارة المرافق العامة وتسييرها ليست سواء، فمنها ما يُعد إداريًا تأخذ فيه الإدارة بوسائل القانون العام بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بمثلها المتعاقد معها..." .

وفيما يتعلق بإنذار المقاول المتأخر قبل تغريمه، قال الظهراني "إعذار المقاول بغرامة التأخير وعزم الإدارة على فرضها أمر مهم ليسارع إلى إصلاح وضعه القانوني بالالتزام بالتنفيذ السليم للعقد تجنباً للخضوع لهذا الجزاء".

وأضاف "وهكذا يشكل الإعذار ضمانة للمقاول في مواجهة غرامة التأخير ومن احتمال تعسف الإدارة في استعمالها لحقها في فرض هذه الغرامة بمجرد حصول التأخير الذي لا يقترن بإثبات الضرر، إلا أن الأنظمة القانونية في الدول محل المقارنة لم تلزم الإدارة بإعذار المقاول بهذه الغرامة".

وأيد الظهراني ما ذهبت إليه الشروط العامة لعقد الأشغال العامة في البحرين من حيث إلزام الإدارة بإخطار المقاول بغرامة التأخير، ما يشكل ضمانة مهمة للمقاول في البحرين تجاه هذه الغرامة بما يفيد إعلامه، أو إعلانه بما تعتزم الإدارة فرضه من غرامات بحقه".

وتركزت الأطروحة على بحث موضوع ضمانات غرامة التأخير في عقد الأشغال العامة في التشريع البحريني بالمقارنة مع الأنظمة القانونية محل الدراسة، وسلطت الضوء على ماهية غرامة التأخير في عقد الأشغال العامة من خلال بيان مفهوم وخصائص غرامة التأخير والأساس القانوني الذي تستند إليه الإدارة في سلطتها بفرض هذه الغرامة، والأسس المادية والزمنية التي تتحدد بها نسب اقتضاء الإدارة للغرامة ومدة فرضها.

وبحثت الدراسة، ضمانات الإدارة لاقتضاء غرامة التأخير في عقد الأشغال العامة، وهي المبالغ الخاضعة لسلطة الإدارة طوال مدة تنفيذ المقاول للعقد، كالتأمين النهائي الذي يقدمه المقاول عند التعاقد، ومستحقات المقاول لدى الإدارة خلال مرحلة تنفيذ العقد وقبل الإذن بصرفها له، وكذلك معداته وأدواته التي تظل بموقع العمل إلى حين الانتهاء من التنفيذ الكلي للعقد، من خلال بيان مفهوم تلك الضمانات وموقف المشرع والقضاء والفقه من سلطة الإدارة تجاهها لاقتضاء غرامة التأخير.

وتناولت ضمانات المقاول تجاه غرامة التأخير في عقد الأشغال العامة، وهي الضمانات الشكلية لإصدار قرار فرض غرامة التأخير بحق المقاول، والضمانات الموضوعية التي يتمتع بها هذا الأخير عند تأخره نتيجةً لظروف خارجة عن إرادته، سواء كانت هذه الظروف نتيجة أسباب عائدة لفعل الإدارة ذاتها أو لوجود قوة قاهرة لا دخل لإرادة الطرفان المتعاقدان فيها، والذي ينتهي ببحث موضوع الرقابة القضائية على قرار غرامة التأخير.

وأشار الظهراني، إلى أن اختياره لموضوع الدراسة جاء نظراً لأهمية وجود تلك الضمانات في تحقيق التوازن بين حقوق الإدارة والمقاول المتعاقد معها تجاه هذه الغرامة، حيث تكاد تخلو المكتبة العربية من المراجع المتخصصة في هذا الشأن.