بقلم - خالد عبدالله الشوملي:



يحار الفكر من أين يبدأ، وماذا عساه يكتب القلمُ عندما يكون على ضفاف شخصية عظيمة كشخصية المغفور له سمو الوالد الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رحمه الله، فسموه شخصية استثنائية بكل ما للكلمة من معنى، وهذا ما أدركه جميع من اقترب من سموه وعاشره وعرفه.

وقد كان لي شرف معرفة سموه والعمل معه لأكثر من أربعة عقود من الزمن، بدأت من العام 1977 حين كنت أعمل في إدارة أموال القاصرين، وتواصلت بعد تعييني مديرًا لإدارة الأوقاف السنية في العام 1996، ثم أميناً عاماً للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في العام 2006، مما أتاح لي معرفة سموه عن قرب.


فحين كنت معه في إدارة أموال القاصرين وجدته حريصاً على حضور جميع الجلسات في مواعيدها المقررة، وكان يردد علينا دائماً أن أموال القاصرين أمانة في أعناقنا، ويوصي أعضاء مجلس أموال القاصرين بالأيتام خيراً، وظل سموه يتابع شؤون أموال القاصرين حتى بعد تركه وزارة العدل وتعيينه وزيراً للشؤون الإسلامية نائباً لرئيس مجلس الوزراء.

وحين انتقلت لإدارة الأوقاف السنية كان سموه هو السند لنا والظهر، ولمست فيه حرصاً شديداً وخاصاً على الأوقاف، سواء السنية والجعفرية، وكان حريصاً على متابعة أمورها أولاً بأول، وعلى أن تكون صلتها بالناس وثيقة وطيبة، كما كان يولي رحمه الله عناية خاصة لبناء المساجد والجوامع وصيانتها، وكان يوجه المعنيين دوماً إلى تذليل الصعاب أمام المحسنين والمتبرعين فيما يتعلق بذلك، وسعى كذلك في إقرار مشروع كادر الأئمة والمؤذنين، كما كان له الفضل في تسجيل الكثير من العقارات التابعة للأوقاف والتي لم تكن مسجلة.

وفي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية حرص سموه على وضع خطة سنوية لإعمار الجوامع بالتعاون مع إدارتي الأوقاف السنية والجعفرية، وفي مشروع طباعة مصحف البحرين، وفي مشروع إنشاء معهد القراءات وإعداد معلمي القرآن الكريم، وتبنى مشروع دعم المعاهد الشرعية والحوزات الدينية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، كما تبنى مشاريع تدعم طلبة العلوم الشرعية، وهكذا كان دأب سمو الشيخ عبدالله بن خالد رحمه الله، يسعى في الخير دوما ويوجه إليه.

لقد كان سمو الشيخ عبدالله بن خالد أباً ومعلماً ومربياً، فكان سموه يتعامل معنا بروح أبوية عطوفة، يشعرنا بها أننا أمام أب محب وناصح حريص على أن يزرع فينا القيم الإنسانية والأخلاقية وحب الخير.

وكان سموه يتميز بالحكمة وإنكار الذات وبساطة النفس وسعة الصدر وطول البال مع الناس جميعاً، فكان يصل الجميع ويقابلهم بالمحبة والتقدير، ويحرص على تلبية دعواتهم. وكان بابه مفتوحاً للجميع، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، يلاقي الجميع بترحيب ولين ولطف وسعة صدر. وأتذكر أن سموه ما كان يغادر مكتبه قبل أن يسأل: هل يوجد أحد يريد الدخول عليَّ في الخارج؟!

نعم، كان بابه مفتوحاً للجميع، لا يحجب أحداً، كما كان باب مجلسه مفتوحاً للجميع ليلتين من كل أسبوع. كان يصغي إلى الجميع بكل اهتمام ورحابة صدر، وينصحنا دوماً بأن نفتح أبوابنا للناس ونحسن الإصغاء لهم لنكون على مقربة منهم ونعرف حقيقة الأمور بمباشرتها.

كان سموه قدوتنا في كل شيء، فهو بحق رجل نبيل محب للخير، ومثال للجد والإخلاص، يحرص على مباشرة عمله بنفسه بكل اهتمام، حريص على انعقاد الاجتماعات والجلسات في مواعيدها المقررة لئلا تتعطل مصالح الناس، كما كان حريصاً على حضورها ومتابعة جميع الملفات بنفسه، ليأخذ زمام المبادرة فيما يستعصي منها ليحله شخصياً، فشهدته عدة مرات يجري الاتصالات من غرفة الاجتماعات للمعنيين لحلحلة بعض الملفات، وأتذكر أنه كان يأخذ الملفات العالقة في وزارت أخرى معه إلى مجلس الوزراء لحلحلتها. وكان سموه رجلاً مباركاً لا يضع يده في موضوع إلا وكان الحل من نصيبه.

كان سموه رحمه الله يدير الأمور كلها بإدارة رجل حكيم يعرف متى يتكلم ومتى يستمع. يعالج الأمور والقضايا بحكمة وهدوء، ومتى ما استشعر أن ملفاً ما قد يؤدي إلى تصادم أو خلاف انبرى رحمه الله ليأخذ هذا الملف ويعالجه بحكمته وهدوئه، فتراه يجمع الأطراف والخصوم وينزع الفتيل، ويوجد حلا مرضياً من الجميع.

هكذا هو سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رحمه الله، بل وأكثر من ذلك. لقد كان رحمه الله بحق زيناً للمناصب التي تقلدها، وليست المناصب هي التي زانته، فترك بصمات ستبقى محفورة في ذاكرة كل من اقترب منه، وفي كل وزارة أو هيئة أو مؤسسة أشرف عليها.

فيحق لنا أن نقف اليوم بكل حزن وألم وحسرة على فراق مثل هذا الرجل النبيل الفاضل، والذاكرة تعج بالذكريات الملهمة، وعزاؤنا في أن سموه ربى أبناءه الكرام تربية طيبة على الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة وحسن معاشرة الناس، لتبقى شجرة عبدالله بن خالد أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

وإنني لآمل بكل صدق أن نرى في البحرين جامعاً أو معهداً يحمل اسم سموه تخليداً لذكراه العطرة، فقد كان سموه يحب الجوامع والمساجد حباً خاصاً، وظل طيلة حياته يرحمه الله مولعاً بإنشائها، ومثله حقيقٌ جديرٌ بذلك.

رحم الله الوالد عبدالله بن خالد رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

* الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية