حسن الستري

"من تربية القرية إلى تربية الدولة"، عنوان اختاره وكيل وزارة التربية والتعليم لشؤون التعليم والمناهج د.عبدالله المطوع السابق للكتاب الذي يسرد فيه تاريخ حياته، منذ أن نشأ طفلاً شبه يتيم بقرية الزلاق متدرجاً بالحياة المهنية والعلمية، مستعرضاً مراحل ذلك التاريخ.

وفي حديثه لـ"الوطن" قال د. المطوع: أنا من مواليد قرية الزلاق عام 1952، ونشأت فيها وهذه القرية الوادعة التي تقع في الجهة الغربية للمملكة، وتمتاز بأنها تجمع البحر والبر والزراعة، وهذه قلما تجدها في قرى البحرين، نشأت في بيت أهلي بيت المطاوعة، الذين كانوا أئمة مساجد وخطباء، تعلمت القرآن على يد عمتي عائشة أسوة ببقية أبناء القرى، الذين يذهبون للمطوع لتعلم القرآن والكتابة والخط وبعض الحسابات، وكانت قرية الزلاق قرية نائية جداً، وعشنا في جو بسيط، في الأكواخ، لم يكن لدينا إنارة أو كهرباء ولا ماء، كنا نجلب الماء من منطقة عنقة "موقع الجامعة حالياً".



صور


وتابع: "عشنا البساطة، وكما هو معروف فإن البيئة الفقيرة يبحث فيها الإنسان عن ذاته، ألا تلاحظ أن أبناء القرى أكثر تميزاً لعدم وجود شيء يشغلهم، فيتجهون للدراسة، لم يكن لدينا تلفزيون وقتها، بيوت الزلاق لا تتعدى 100 بيت، وعاداتها لا تختلف عن العادات الموجودة بالقرى المجاورة، درست في مدرسة الزلاق التحضيرية للبنين، وكان بها طلبة الزلاق والصخير ودار كليب وصدد وشهركان، وهذا أثر على شخصيتي، لذلك اقول إن المدارس المختلطة أفضلها على المدارس المنعزلة لطائفة لحالها، كان أبناء القرى يأتون راجلين أو على حمير، اختلطنا مع أبناء القرى وعرفنا أشياء كثيرة عن عاداتهم وتقاليدهم وتحاريمهم ونذورهم، عرفنا زيارة الأضرحة، كانوا ينذرون لهذه المقامات والمساجد، عرفنا أن أهل القرى كانوا يزوجون أبناءهم وهم صغار ويدخلون المدرسة متحني الرأس ومستحين مثل العروس، هذه الزمالة ولدت علاقات ما زالت مستمرة لليوم.

صور


وأضاف: "انفصل والدي عن والدتي وأنا ابن 6 سنين، وعشت شبه يتيم في بيت عمي، ووجهوني للقراءة والاطلاع منذ أن كنا صغاراً، واعتمدنا على أنفسنا، كنا نصطاد الأسماك ونحن صغار لتأمين لقمة العيش، هذه الأمور ولدت عندنا طموحاً لكي لا نتراجع ونواصل الدراسة، بعد تخرجي من المدرسة التحقت بمعهد المعلمين وتخرجت عام 1972 وأصبحت معلماً للرياضيات والعلوم بمدرسة الرفاع، وكان محيط المعلمين محيط دراسة وثقافة، شجعونا على مواصلة الدراسة بالانتساب، انتسبت لجامعة بيروت ودرست الجغرافيا، وتخرجت منها عام 1978 وصرت مدرساً للجغرافيا، كان وقتها الجامعيون قليلين وتطورت ونقلت إلى ثانوية الرفاع الشرقي وصرت مدرساً بالرفاع الشرقي أدرس الجغرافيا والتاريخ بالإضافة للإشراف، وكان طلبة المدرسة بهم شطانة وكنت من المعلمين الصعبين، ثم انتسبت لجامعة البحرين لدراسة دبلوم الدراسات العليا في التربية على حسابي، وتخرجت بامتياز عام 1984 وكنت الأول على دفعتي، وانتدبت إلى إدارة المناهج سنة 1982 وكنت قبلها أعمل في الديوان الملكي في إدارة البعثات لأبناء العائلة الحاكمة، وبإدارة المناهج تفتحت الآفاق، يومها فتح وزير التربية والتعليم برنامجاً تأهيلياً للماجستير والدكتوراه لتخصصات معينة، قمت بدراسة القياس والتقويم، وكنت يومها متزوجاً، ودرست في الأردن وقتها، أخذت الماجستير في عامين ونصف، عام 1987، ويومها وزارة التربية والتعليم استحدثوا مركز البحوث التربوية والتطوير كانوا يريدون موظفين جدد وتقدمت لهم وأجريت مقابلة واختباراً وكنت الأول عليهم.

صور


وأردف: "الإشكالية انني كنت مبتعثاً من إدارة المناهج لدراسة الماجستير، اقترحوا وقتها أن أداوم 3 أيام بالمناهج و3 أيام بالبحوث وبعدها بفترة تفرغت للبحوث، عملت مجموعة من البحوث قائمة على تحليل المضامين، شجعوني لدراسة القياس والتقويم بالجامعة اللبنانية، أخذت وقتها تحليل مضامين أسئلة المواد الاجتماعية لمدة 3 سنوات بدول الخليج العربية، كانت أنظمة الامتحانات تختلف عندنا، تعبت في هذا الموضوع، قمت بدراسات مكوكية لدول الخليج، أخذت مني الدراسة 6 سنوات، وأخذت الدكتوراة من قسم علم النفس قياس وتقويم، اشتغلت وقتها في جامعة البحرين "بارت تايم"، وعملت في تعليم الكبار، قد تضحكون إذا عرفتم أنني درست من صف الأول لسنة رابعة جامعة ما عدا صف الخامس الابتدائي.

صور


واستطرد: "انتقلت من مركز البحوث إلى البعثات أيام الوزير عبدالعزيز الفاضل، وعينوني قائماً بأعمال إدارة البعثات، تغير الفاضل وأتى الدكتور محمد الغتم وثُبِتُ في إدارة البعثات، ويومها استحدثت نظام بعثات أبناء المعلمين، وضعنا معايير معينة لأبناء المعلمين، وجرى يومها تطوير التعليم الصناعي، بعثنا 15 واحداً إلى إسكتلندا ليكونوا مؤهلين للتعليم الصناعي، واقترحت التوسع في عدد المبتعثين وإدخال تخصصات أخرى، بعثنا 60 طالباً إلى بريطانيا بعد اجتيازهم امتحان الإنجليزي وقدرات ومقابلة شخصية، حصلنا على مجموعة من المدرسين البحرينيين ولكن للأسف لم يصمدوا في التدريس، لأنه بحاجة لقلب ولا يصمد فيه إلا الذي حاب الشغلة".

وواصل: "جرى تقاعد لكبار الموظفين أيام الوزير ماجد النعيمي، وأحدث فراغاً في الوظائف العليا، وتم ترشيحي لأكون وكيلاً مساعداً للمناهج والتدريب، وحدث تغيير في الهيكلية بعدها وصرت وكيلاً مساعداً للمناهج والإشراف التربوي، وبعام 2007 أصبحت وكيل وزارة ومكثت إلى حين تقاعدت قبل 4 سنوات، حين صرت وكيلاً حدثت لي فرصة أن أشارك عالمياً وإقليمياً، صرت عضواً بمركز البحوث التربوية ويعنى بالبحوث والتطوير على مستوى دول الخليج، وجعلوني عضواً بمكتب التربية في دول الخليج العربي، وجرى وقتها تطوير المناهج وتوحيد مناهج العلوم والرياضيات فصار لدينا شبه اتفاق بيننا وبين السعودية على بعض المناهج، لأن بعض الدول الأخرى كانوا مطورين مناهجهم، كما وضعنا استراتيجية تربوية لدول مجلس التعاون، كنت رئيساً للمجلس، عملنا عليها لمدة سنتين وعرضت على أكثر من محكم من وزارات التربية والتعليم بالخليج وطلبوا تعديلها وقدمت الاستراتيجية لاحقاً بعد تعديلها وتم اعتمادها ومضت عليها أغلب دول الخليج، وصرت عضواً في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ثم رئيساً، وشاركنا في تقريب المفاهيم التربوية على مستوى العالم العربي، ومنه على المستوى الإسلامي وبعدها على المستوى العالمي، دخلت علينا مفاهيم جديدة كالجودة والتقويم، وعملنا على تطوير البيئة التربوية والصف المدرسي والبيئة المدرسية".

صور


وحول أبرز المعوقات، قال المطوع: "جرت معارضة دينية لتدريس الموسيقى، ولجأنا لتكوين فرق موسيقية لأهداف معينة كعيد العلم، ولكن لازالت المقاومة شرسة، كما كانت لدينا وقتها حصص المجالات العملية في الإعدادي، وتم إدخال اللغة الفرنسية بالمرحلة الإعدادية أيام حصة المجالات بالاختيار، قامت القيامة علينا من أولياء الأمور لا تدرسون طلبتنا".

وحول أبرز الشخصيات التي أثروا في د.عبدالله المطوع، قال: "حين أقول أبرز أظلم نفسي، بالمرحلة الابتدائية كان الاستاذ سعد سعود مبخوت كان مدرس لغة عربية، وبالمرحلة الإعدادية الأستاذ عبدالله سالم، ثم السفير إبراهيم العبدالله الذي كان الدافع لنا بالدراسة".

صور


وبخصوص مشاريعه بعد التقاعد، قال المطوع: "ابتدأت مشاريعي قبل التقاعد، كوني باحثاً وأحب البحث عملت كتابين وبرزا في آن واحد، الكتاب الأول أسميته "من تربية القرية إلى تربية الدولة"، منذ كنت طالباً إلى أن أصبحت وكيل وزارة، تحدثت فيه عن كل مفاصل حياتي منذ الولادة إلى التقاعد، حتى الزيارات التي زرناها، الكتاب الثاني عبارة عن "ماذا قالت النجمة الأسبوعية"، جمعت كل المقالات بمجلة النجمة الأسبوعية التي تناولت أخبار التربية، حللتها إلى مضامين، وخرجت بتصور بأن التطور موجود بالتعليم وكان هناك اهتمام بالكشافة والرياضة وقتها، ولدي مشروع مستقبلي يوثق سيرة التربوييين الأوائل، ونوجه تحية وشكر لوزير الإعلام حين طلب طباعة الكتاب على نفقة وزارة الإعلام والذي يحكي عن الشخوص التربوية بما يصل إلى 200 شخصية، ولكن يؤسفني أن أترجى سين وصاد لوضع اسمه بالمقال، بعضهم لا يرغب بوضع اسمه.