* القوى المتطرفة تستهدف بلاد الحرمين في سمعتها وثقلها الديني والسياسي والاقتصادي والعسكري

* استهداف المملكة ليس وليد الساعة وإنما قديم يتجدد ويتلون حسب المستجدات والأغراض

* الاجتماع على القيادة "لزام متحتم" لصد المرجفين والمتربصين



* المتطاول على قبلة المسلمين متهم في مقصده أو "إمعة" يسير خلف كل ناعق

* بلاد الحرمين الشريفين مأرز الإيمان ورافعة لواء الشرع وتحكيم الكتاب والسنة

* الحكمة ضالة المؤمن والتذمر ليس مصلحاً للأمم والنقد وحده لا يقدم مشروعاً

مكة المكرمة - كمال إدريس

أكد إمام وخطيب المسجد الحرام في مكة المكرمة الشيخ د. صالح بن حميد، أن "استقرار الحكم في المملكة العربية السعودية يغيظ المتربصين"، مشدداً على أن "الالتفاف حول القيادة يكيد الشانئين"، موضحاً أن "القوى المتطرفة تستهدف بلاد الحرمين الشريفين في سمعتها وثقلها الديني والسياسي والاقتصادي والعسكري".

وأوضح د. بن حميد في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام أن "التعاطي مع الأحداث وأخذ العبر يكون بصدق التعلق بالله، ثم بالعقل الحصيف، والهدوء الحذر"، مشيراً إلى أن "الحكمة ضالة المؤمن، وليس التذمر مصلحا للأمم، والنقد وحده لا يقدم مشروعاً، وردود الأفعال المجردة لا تبني رؤية راشدة"".

وقال إن "المرء قد يحتاج في بعض اللحظات والمحطات إلى التأكيد على الثوابت، والتركيز على الأسس أمام سيل الإعلام الجارف بأدواته ومواقعه، وما يحفل به من تلبيس في الطرح، وانحراف في التحليل، وتعسف في التفسير، وعبث بالكلمات والمصطلحات، ناهيكم عن التضليل، والتزييف، وخلط الأوراق، كل ذلك لإيجاد مزيد من التوتر والبلبلة عن طريق معرفات مجاهيل في مصالح ضيقة، أو نائحة مستأجرة".

وبين أن "العاقل المتأمل يرى من حوله سفناً تخرق، وأخرى تغرق، فالحذر الحذر من مفسد، أو حاقد، أو طامع، أو حاسد، أو جاهل ليتعدى على السفينة فيخرقها ثم يغرقها، وقد يكون ذلك من خلال حديث مكذوب، أو استدلال محرف، أو تعليق مريب، أو تفسير متعسف".

وقال إنه "حين يتداعى المرجفون، ويتطاول المتربصون، فإن الذب عن الدين، ولزوم الجماعة، والاجتماع على القيادة، يكون لزاماً متحتماً من أجل صد الشائعات، وإبقاء اللحمة، والحفاظ على الوحدة".

وتابع "معاشر المسلمين إن شئتم نموذجاً لهذه السفينة المستهدفة فتأملوا ما يحاول فيه بعض المتربصين، وذوي الأغراض، والأهواء، والمتطرفين من النيل من حصن الدين، وقبلة المسلمين، بلاد الحرمين الشريفين، مأرز الإيمان، ورافعة لواء الشرع، وتحكيم الكتاب والسنة، غايتها في رايتها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، توحيد الله شعارها، والحكم بما أنزل الله دستورها، والبيعة على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- نهجها، والدين والحكم فيها أخوان، مما ينتظم سياسة الدين والدنيا".

وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن "العقيدة، والوحدة الوطنية، ولزوم الجماعة، والحفاظ على البيعة، وحماية المقدسات هي الأعلى والأغلى في أهداف الدولة وخططها وبرامجها". وأردف يقول "دولة عربية إسلامية حافظة -بعون الله وتوفيقه- أمن الحرمين الشريفين، وراعيتُهما، وخادمتهما، محافظةٌ على المقدسات والشعائر والمشاعر، معقل التوحيد والسنة، ودار المسلمين، وطن يسكن التاريخ، ويسكنه التاريخ، إنها دولة كبيرة -ولله الحمد والمنة- بدينها، وأهلها، وقيادتها، وتاريخها، مؤثرة في ميزانها، وموقعها، واقتصادها، وسياستها، وقوتها، وقرارها، وستبقى -بإذن الله- لها أدوارها، وعلاقاتها الواسعة الرزينة الرصينة، ونفوذها النفاذ".

وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن "العقلاء يدركون أن هذه البلاد لو تأثر موقعها، فسوف تتوسع دائرة القلق، والفشل، والتمزق في المنطقة، وخارج المنطقة، وإن المتربصين، وذوي الأهواء، والقوى المتطرفة، يستهدفون هذه البلاد في سمعتها، وتأثيرها، وقوتها، ووحدتها، وثقلها الديني، والسياسي، والاقتصادي، والعسكري، وانظر فيمن يحاول التطاول على بلاد الحرمين الشريفين لا تكاد تراه إلا متهما في مقصده، أو إمعة يسير خلف كل ناعق، ناهيكم عن أن كثيراً مما يطرح ما هو إلا تنفيس عن غايات مدخولة، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: "تتبع سهام المخالفين حتى ترشدك إلى الحق"".

وذكر أن "مما هو معروف -ولله الحمد- أن هذا الاستهداف لم يكن وليد الساعة، بل هو قديم يتجدد، أو يتلون، حسب الظروف والمستجدات والأغراض، وفي كل ذلك تخرج هذه الدولة المباركة مرفوعة الرأس منتصرة لصدقها مع ربها، ومع شعبها، ومع المسلمين، وصدق علاقتها، ووضوح منهجها، وجلاء تعاملها، بل كثيراً ما انقلبت القضايا المثارة ضد أصحابها، بل إنها تفسد عليهم أهدافهم، وتخرج هذه البلاد منتصرة، قد زادتها قوة إلى قوتها، وعزا إلى عزها. وبين أن من القواعد المشهورة: الأزمات تشد من قوة الدولة المستقرة، وتؤكد مكانتها، ورسوخها، وتعاظم دورها، ومن المعلوم أن هذه البلاد المباركة من أكثر الدول استقراراً، ولله الحمد والمنة".

وحذر من "الإفراط في التعميم، ثم التوظيف، والتسييس، والاستهداف، والهجوم، والخلط في القضايا، بل التلبيس في الطرح، والتحليل، والتفسير، فاستقرار الحكم يغيظ المتربصين، والالتفاف حول القيادة يكيد الشانئين، في تصيد مقيت، وتلفيقات آثمة، كما حذر من إضاعة المكاسب، وإزالة النعمة، نعمة علو الدين، واجتماع الكلمة، ورغد العيش، وبسط الأمن، والالتفاف حول ولاة الأمر، والنصح الصادق، والسعي في الإصلاح، والوقوف في وجه كل متربص، والتحدث بنعم الله في إبداء المحاسن، والخوف من التنكر للنعم بالتبرم، وتعداد النقائص". وأشار إلى أن "منع الفتن أسهل من دفعها، ومن لم يعتبر جعل نفسه عبرة لمن يعتبر، ومن لم يقرأ التاريخ نسيه التاريخ".

وأضاف، "حفظ الله بلاد الحرمين الشريفين وحفظ عليها إيمانها، وأمنها، وزاد من لحمتها وتماسكها، وكبت عدوها، ونصرها على كل من أراد بها سوءًا، ونعوذ بالله من التقلبات السياسية، والحروب الأهلية، والتحزبات، والطائفية، والتوجهات العنصرية، والمسالك التصنيفية، وحفظ بلاد المسلمين أجمعين، وجمع كلمتهم على الحق والهدى والسنة إنه سميع مجيب".

وأكد الشيخ د. بن حميد أن "الكمال عزيز، والخطأ والقصور من شأن البشر، والذين لا يخطئون هم الذين لا يعملون، ومسار الدولة والأمة يتطلب العقل، والحكمة، والأناة، والسير بخطى ثابتة غير متوقفة، في حكمة، ووعي، وتمييز بين الثابت، والمتغير، في قوة راشدة، وتنمية مخططة، وحزم، وعزم يحيط بذلك كله رحمة ورفق وإحسان، والنقص يعالج، والمعوج يقوم تحت مظلة الولاية الشرعية".

واختتم بقوله، "اعلموا أن المبالغة في ملاحقة التغريدات، والإكثار في تتبع أخبار القائمين على بؤر التوتر، يوقع في ضلال، وحيرة، وإرباك، عاقبته التشتت، والانشقاق، والتصدعات، وهدم المكتسبات، وحاصله فوضى فكرية، وتعليقات يائسة، ومداخلات بائسة، يختلط فيها الحابل بالنابل، ونتيجتها الفرقة، وعاقبتها نفوس سوداء، وأحقاد متبادلة من غير مسوغ ولا معقولية، والسلامة في ذلك الأخذ بالقاعدة السليمانية قاعدة سليمان بن داود عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام".