إرم نيوز


أصبحت مسألة هجرة الطواقم الطبية موضوعا مثيرا للجدل بين المسؤولين في إيران في الأسابيع الأخيرة، وبالإضافة إلى الأطباء، أصبحت هجرة الممرضات أيضًا مصدر قلق مهما وخطيرا.

وكشف تقرير لموقع "عصر إيران" المقرب من الحكومة الإيرانية، السبت، تناول أزمة هجرة الأطباء والممرضات، أن ما قبل أزمة تفشي كورونا في فبراير/شباط 2020، كان عدد المهاجرين الأطباء في إيران يتراوح ما بين 6 إلى 10 آلاف طبيب سنوياً.

وقال الموقع إنه "وفق الإحصائيات التي حصل عليها من منظمة الطب الإيرانية أنه بعد انتهاء كورونا أصبحت مضاعفة"، مشيرا إلى وجود 800 مقعد مساعد طبي أصبح الآن شاغرا، وانسحب 50% من أطباء التخدير بعد قبولهم في الجامعات.


وأشار التقرير إلى التحديات والتبعات التي حدثت مع هجرة الكوادر الطبية، وعدّ ضغط العمل وتدني الأجور من عوامل هجرة الاختصاصيين.

وفي نهاية ديسمبر الماضي، أعلن رضا ولي بور، المتحدث باسم منظمة النظام الطبي في البلاد، أن طلبات الهجرة من الطاقم الطبي زادت بما يصل إلى 10 أضعاف في السنوات الخمس الماضية، فيما وصف سعيد كريمي، نائب وزير الصحة الإيراني، إحصائيات هجرة الطواقم الطبية من إيران بـ”المبالغ فيها”، وقال إن معظم هذه الإحصائيات لا تعتمد على معايير دقيقة وواضحة.

إحصائيات متناقضة

وبشأن عدم كشف وزارة الصحة عن إحصائيات حول هجرة الأطباء وتضارب الأرقام، قالت فاطمة محمد بيغي، عضو لجنة الصحة في البرلمان الإيراني، لموقع "إرم نيوز"، "في الوقت الحالي نخسر جزءًا كبيرًا من عناصرنا في مجال الطب، وهذا يشمل الأساتذة والأطباء والممرضات والمجالات الطبية الفرعية الأخرى".

وانتقدت محمد بيغي عدم توفر إحصائيات رسمية بهذا الخصوص، مضيفة "اطلعنا على تقرير في لجنة الطب البرلمانية في العام الماضي، كشف عن هجرة ما بين 9 إلى 10 آلاف من الطاقم الطبي ويشمل الأطباء والممرضات والقابلات".

ويرجع عدم اليقين الإحصائي هذا إلى عدم نشر الإحصاءات من قبل المؤسسات الرسمية مثل منظمة النظام الطبي في البلاد، بحسب قولها.

وقالت: "لو كنت وزيراً للصحة وهذا العدد من الأطباء يهاجر سنوياً، وتفقد البلاد الكفاءات والنخب العلمية لاستقلت من إدارة الوزارة"، كاشفة في الوقت ذاته أن "شبكة الرعاية الصحية في البلاد تواجه نقصًا قدره 20 ألف قابلة".

من جانبه، قال علي جعفريان الرئيس السابق لجامعة العلوم الطبية في طهران، لـ"ارم نيوز"، "إنه في السنوات الثلاث الماضية، هاجر ما بين 10 و12 ألف طبيب من البلاد، وهو ما يمثل في المتوسط الهجرة السنوية لحوالي 4 آلاف عضو في الطاقم الطبي".

أسباب الهجرة

وعن أسباب هذه الهجرة، يقول رئيس مستشفى بهمن أحد أكبر المستشفيات في طهران، الدكتور فخر الدين نور محمدي، لموقع "إرم نيوز"، إن "هناك عوامل اجتماعية واقتصادية تدفع الأطباء إلى الهجرة".

وبين أن "أحد العوامل المهمة في الهجرة هو الاختلاف الكبير في الدخل ومستوى المعيشة بين إيران ودول المقصد"، موضحاً "نلاحظ وجود تقارير عن هجرة أطباء وممرضين إيرانيين إلى دول الجوار مثل سلطنة عمان والعراق، أما الهجرة الأوسع فهي للدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا".

وقال "بلغ متوسط الدخل السنوي للطبيب في إيران عام 2019 حوالي 10 آلاف دولار، مقارنة بمتوسط الدخل السنوي للطبيب في أمريكا، وهو حوالي 294 ألف دولار، وفي بريطانيا حوالي 136 ألف دولار، في كندا حوالي 258 ألف دولار، في أستراليا حوالي 207 آلاف دولار، وفي ألمانيا حوالي 111 ألف دولار".

وتابع "بينما بلغ متوسط الدخل السنوي للممرض في إيران عام 2019 حوالي 3 آلاف دولار، مقارنة بمتوسط الدخل السنوي للممرض في أمريكا وهو حوالي 73 ألف دولار، في بريطانيا حوالي 40 ألف دولار، في كندا حوالي 59 ألف دولار، وفي أستراليا نحو 65 ألف دولار، وفي ألمانيا نحو 47 ألف دولار".

ورأى الدكتور نور محمدي هذا الاختلاف في الدخل، بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية؛ ما يجعل الأطباء والممرضين الإيرانيين يتمتعون بمستوى معيشي أقل من نظرائهم في البلدان الأخرى. فعلى سبيل المثال، بناءً على مؤشر القوة الشرائية، يمكن للطبيب في إيران أن يحصل على 10% من القوة الشرائية للطبيب في أمريكا. وهذا على الرغم من أن تكلفة المعيشة في إيران ارتفعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

نقص الممرضات

وأعلن محمد شريفي مقدم، الأمين العام لدار رعاية المسنين في إيران، عن "النقص الخطير" في عدد الممرضات في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وقال: "أجرؤ على القول إن المرضى يموتون بسبب نقص الممرضات".

وبحسب قوله فإن "أكثر من ثلاثة آلاف ممرض يهاجرون من البلاد كل عام، لكن وزارة الصحة لا تضيف حتى هذا العدد إلى الطاقم الطبي". مضيفاً ""وقد حذرنا مراراً وتكراراً من نقص الممرضات في المستشفيات".

وأشار شريفي مقدم في حديث سابق لوسائل إعلام محلية، إن التحدي الأهم اليوم في مجال الصحة هو القوى العاملة، وسيصبح هذا التحدي خطيراً جداً في السنوات القادمة، منوهاً بأن"هذا التحدي لن يصل إلى السنوات المقبلة وقد أظهر نفسه الآن، بحيث إن بعض أقسام المستشفيات التي افتتحت حديثا مغلقة بسبب نقص الممرضات".

وفي أحد الأمثلة، يقول شريفي "تظل غرفة العمليات في أحد المستشفيات غير مستخدمة على الرغم من وجود طاقم طبي؛ وذلك لعدم وجود ممرضة للعمل فيها"، كما ذكر مثالا آخر أن العديد من المستشفيات تدير جناحاً يضم 30 مريضا مع ممرضتين فقط.

معالجات الحكومة

وتغيب المعالجات الحكومية لوقف هجرة الأطباء في إيران؛ إذ انتشر، الأحد، تعميم صادر من وزارة الصحة وصفته وسائل الإعلام بـ"الغريب"، ويتضمن هذا التعميم "استلام كفالة باهظة من طلاب الطب للبقاء في إيران".

وقال علي عمري عضو هيئة التعليم في البرلمان "في شهر سبتمبر الماضي أصدرت وزارة الصحة تعميما موجها إلى رؤساء جامعات العلوم الطبية في البلاد يلزم المقبولين بالامتحان الوطني للعام الجاري تقديم ضمانات".

وأضاف عمري في حديثه لوكالة "خبر أون لاين"، "الضمانات هي تقديم وثيقة بكفالة اثنين من الموظفين الرسميين غير المتقاعدين أو تقديم ضمانات عقارية، لغرض السماح للطالب بالتقدم إلى الامتحانات الوطنية في المجالات الطبية، وإذا انسحب يفرضون عليه غرامة مالية".

وعن سبب ذلك، أجاب "يبدو أن هذه الوزارة اتخذت مثل هذا الإجراء لمنع موجة هجرة الكوادر الطبية، وخاصة الأطباء، وتأخذ ضمانات ثقيلة من طلاب المرحلة الجامعية حتى لا يهاجروا بعد انتهاء دراستهم، أو حتى لا ينسحبوا في منتصفها، إلا أن هذا التوجيه يسبب الضرر ولا يساهم في علاج هجرة الأطباء، أي أنه يتسبب في عدم تمكن عدد من الطلاب من مواصلة دراستهم في المجال الذي تم قبولهم فيه بسبب عدم وجود كفيل أو سند عقاري".