طارق مصباح

إن القلب السليم الذي لا ينجو العبد من عذاب الله ويكون من المفلحين إلا إذا أتى الله به: هو القلب الذي يأنس بربه، فهمه كله لله، وحبه كله لله، وقصده وبدنه لله، وأعماله ونومه ويقظته لله، أفكاره تحوم على مراضيه ومحابه، الخلوة به آثر عنده من الخلطة إلا إذا حيث تكون الخلطة أحب إليه وأرضى له، قرة عينه به، وطمأنينته وسكونه إليه، فهو كلما وجد من نفسه التفاتاً إلى غيره تلا عليها «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية».

وهو كلما عرض له أمر من ربه أو نهي أحس من قلبه ناطقا يقول: أنا عبدك ومسكينك وفقيرك، وأنا عبدك الفقير العاجز الضعيف المسكين، لا صبر لي إن لم تصبرني، ولا قوة لي إن لم تحملني وتقوني، لا ملجأ لي منك إلا إليك، ولا مستعان لي إلا بك، ولا انصراف لي عن بابك، ولا مذهب لي عنك، فينطرح بمجموعه بين يديه ويعتمد بكليته عليه، فإن أصابه بما يكره قال: رحمة أهديت إلي، ودواء نافع من طبيب مشفق، وإن صرف عنه ما يحب قال: شرا صرف عني، فكل ما مسه به من السراء والضراء اهتدى بها طريقاً إليه، وانفتح له منه باب يدخل منه إليه.



نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا الأنس به، ونسأله الشوق إلى لقائه والنظر إلى وجهه الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.