وكالات

قبل نحو 10 أعوام اجتمعت عالمة بحار القطب الجنوبي جيس ميلبورن توماس مع عالمة الأحياء البحرية ماري آن لي والناشطة فابيان داتنر لتحقيق حلم كبير. كان الثلاثي النسائي يحلم بإنشاء فريق قوي من النساء الباحثات لغزو القطب الجنوبي بأكبر حملة نسائية بحثية في التاريخ.

في عام 2015، انتشر المشروع بشكل كبير ليطلق الفريق النسائي الرائد برنامجاً افتتاحياً عام 2016، ليتوج قبل عامين بوصول أكثر من 280 باحثة إلى ذلك المكان النائي الذي لا يستوطنه سوى البطاريق والحيتان الحدباء وبعض فئات الحيوانات الأخرى.



الآن وفي إنجاز بحثي ضخم، نشرت المجموعة "النسوية" ورقة في دورية "نيتشر" العلمية، حددت فيها التهديدات الرئيسية التي تتعرض لها شبه الجزيرة القطبية الجنوبية ومنظومتها البحرية جراء الارتفاع المطرد في درجات الحرارة.

تُعد شبه الجزيرة القطبية الجنوبية الغربية واحدة من أسرع الأماكن ارتفاعاً في درجات الحرارة على وجه الأرض. وهو الأمر الذي يهدد الحيتان الحدباء والمنك والفقمات والبطاريق والطيور البحرية، فمع ذوبان الجليد البحري تقل المناطق المأهولة بتلك الحيوانات بشكل سريع بسبب تغير المناخ، وتنخفض موائل العديد من الأنواع، وبالتالي يختل التوازن البيئي مما يترك معظم تلك الأنواع في خطر الانقراض.

إن هناك أيضاً عدداً من التهديدات التراكمية بسبب مجموعة من الأنشطة البشرية، بما في ذلك الصيد التجاري والأنشطة البحثية والسياحية إلى جانب تغير المناخ، ما زاد من تفاقم هذا الاختلال وجعل نقطة الانقراض تقترب بسرعة.

حملة من النساء

كانت الدكتورة كارولين هوغ، من كلية الحياة والعلوم البيئية في جامعة سيدني، جزءاً من أكبر بعثة استكشافية على الإطلاق من النساء إلى شبه جزيرة أنتاركتيكا. هناك شاهدت هوغ ما تصفه بـ"الجمال الهش"، إذ إن التنوع الحيوي "تأثر بشدة" بسبب الآثار السلبية لتغير المناخ والنشاط البشري.

وفي دراسة كبيرة حددت الدكتورة هوغ وزميلاتها تلك التهديدات، كما عرضت طرقاً لمواجهتها والحد منها.

نظراً لأن المرأة غائبة بشكل ملحوظ في موضوعات دراسة القارة القطبية الجنوبية "الغارق في حكايات البطولات الذكورية"، كما تقول هوغ، فإن نتائج تلك الدراسة لا يمكن أن يتم التعامل معها فقط من الناحية العلمية لكن يجب أن تؤخذ "كدليل على قدرات المرأة على العمل في البيئات القاسية"، على حد قول هوغ في تصريحات خاصة لـ"الشرق".

تشير الورقة المنشورة في "نيتشر" -وهي ورقة تعليق كاملة- إلى أن العالم يحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى للاستماع إلى "وجهات نظر العلماء إذا أراد التخفيف من التهديدات التي يواجهها كوكبنا".

وتشمل الحلول التي عرضتها الورقة للتخفيف من تلك التهديدات التصديق على منطقة بحرية محمية حول شبه الجزيرة، وهو أمر من المقرر مناقشته غداً (19 أكتوبر) في اجتماع لمجموعة من الحكومات التي تدير بشكل جماعي موارد المحيط الجنوبي.

وتقول الورقة إن المنطقة بكاملها تتأثر بعدد من التهديدات، كل منها يحتمل أن يكون إشكالياً في حد ذاته، لكن تراكمها معاً سيكون كارثياً.

قشريات الكريل

تعد مياه شبه الجزيرة موطناً لـ 70% من الكريل، وهو نوع من القشريات الصغيرة التي تسبح وتعيش في مجموعات كبيرة في القطب الجنوبي. بالإضافة إلى تغير المناخ، فإن مجموعات الكريل هذه مهددة بالصيد التجاري. شهد العام الماضي ثالث أكبر محاولات صيد للكريل على الإطلاق، وتم حصاد ما يقرب من 40 ألف طن من هذا الحيوان لاستخدامها في المكملات الغذائية أوميغا 3 ومسحوق السمك.

وتقول الدكتورة كاساندرا بروكس، مؤلفة مشاركة في الورقة من جامعة كولورادو، في تصريحات نقلها بيان صحافي حصلت "الشرق" على نسخة منه: "حتى الصيد بكميات صغيرة نسبياً من الكريل يمكن أن يكون ضاراً إذا حدث في منطقة معينة، في وقت حساس بالنسبة للأنواع التي تعيش هناك".

على سبيل المثال، الصيد في الوقت الذي تتكاثر فيه طيور البطريق يقلل من تناولها للغذاء ويؤثر على نجاح تكاثرها اللاحق، وبالتالي ستحافظ منطقة محمية بحرية على هذا النظام البيئي الفريد وتنوعه الحيوي وحميه، و"نحن بحاجة إلى تنفيذه الآن"،وفق ما جاء في الورقة.

تقول الورقة أيضاً إن المناخ يغيّر بشكل أساسي شبه جزيرة القطب الجنوبي الغربي، فقد بلغت درجات الحرارة 20.75 درجة مئوية في فبراير الماضي، وكان متوسط ​​درجة الحرارة اليومية في ذلك الشهر أعلى بدرجتين من المتوسط ​​على مدى الـ70 عاماً الماضية.

كما تشير البيانات إلى أن ما يقرب من 90% من الأنهار الجليدية في المنطقة يتراجع بسرعة، ففي ربيع 2016 وصلت مستويات الجليد البحري إلى أدناها منذ بدء عمليات التسجيل، وإذا استمرت انبعاثات الكربون في الارتفاع، في غضون الـ 50 عاماً المقبلة، ستنخفض مساحة الجليد البحري إلى النصف تقريباً وقل حجم الجروف الجليدية بمقدار الربع، ومع انحسار الجليد البحري تتناقص أعداد اليرقات وصغار الكريل التي تستخدم الجليد كمأوى واجتذاب الطحالب التي تتغذى عليها.

إن زيادة دفء المناخ وقلة الغطاء الجليدي البحري سيوفران فرصاً للأنواع الغازية التي يمكن أن تدخل الإقليم عبر السفن الدولية، بما فيها التي تحمل السياح.

البصمة السياحية

تقول الدراسة إن البصمة السياحية آخذة في النمو، فشبه الجزيرة الجنوبية هي المنطقة الأكثر زيارة في أنتاركتيكا، نظراً لقربها من أمريكا الجنوبية، علاوة على جمالها الدرامي والنظام البيئي البحري الغني.

وقد تضاعف عدد السائحين في العقد الماضي، حيث زارها 74000 سائح العام الماضي، مقابل 33000 في 2009.

وتقول الدكتورة جوستين شو، المؤلفة المشاركة في الورقة من جامعة كوينزلاند، في تصريحات نقلها البيان الصحافي: "يمكن للسفن أن تلوث المحيط بالمواد البلاستيكية الدقيقة والزيوت علاوة على الضوضاء الصادرة من محركاتها".

في الوقت الذي تقدم الرابطة الدولية لمنظمي الرحلات السياحية في أنتاركتيكا تعليمات للسفر الآمن والمسؤول بيئياً، فإن العديد من السفن التي تُسيّرها شركات من غير الأعضاء في الرابطة تتوافد باستمرار على تلك المنطقة وهو أمر مقلق للغاية كونه يضيف ضغوطاً هائلة على النظام الحيوي.

أضرار بحثية

في حين أن جمع البيانات والمعرفة أمر مهم، إلا أن الأنشطة البحثية يمكن أن تلحق الضرر أيضاً بالبيئة الحساسة لشبه الجزيرة القطبية الجنوبية، حسبما ذكر الفريق.

تستضيف شبه الجزيرة منشآت علمية تابعة لـ18 دولة، وهو أعلى مكان في القارة. من ضمن تلك التجهيزات محطات الرصد البيئي علاوة على وجود توسعات جديدة في النشاط العلمي.

في حين أن هذه المساعي العلمية يمكن أن تزيد من فهمنا للأنواع المحلية، فقد تكون هناك آثار سلبية على المنطقة إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح، فالمباني والبنى التحتية يمكن أن تتسبب في ضرر كبير للحياة البرية والنباتات.

توصيات هامة

يرى الفريق البحثي أن هناك ثلاث طرق لحماية التنوع الحيوي في شبه الجزيرة، أولها ضرورة التصديق على منطقة بحرية لمحمية شبه جزيرة أنتاركتيكا الغربية بقيادة شيلي والأرجنتين، من المقرر مناقشة هذا خلال اجتماع لمدة أسبوعين يبدأ في 19 أكتوبر من قبل لجنة الحفاظ على الموارد البحرية الحية في القطب الجنوبي.

ومن المفترض أن تقلل المناطق البحرية المحمية من الصيد التجاري في المناطق الحساسة بيئياً، مما يساعد في الحفاظ على السلسلة الغذائية وضمان استدامة أكبر للمستقبل في المناطق المحيطة.

إن نسبة 1.5 % فقط من التضاريس الخالية من الجليد في القارة القطبية الجنوبية تتمتع بوضع الحماية الرسميـ أما الكثير من الأراضي غير المحمية فتقع بالقرب من مناطق البحث والسياح، وبالتالي فهي عرضة للمخاطر التي يسببها الإنسان مثل التلوث والأنواع الغازية.

يدعو المؤلفون -في الطريقة الثانية- إلى حماية قدر أكبر ومتنوع من المناظر الطبيعية، فعلى الصعيد العالمي اتفقت الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي على ضرورة حماية 17% من الأراضي لضمان الحفاظ على التنوع البيولوجي؛ وهذه نقطة انطلاق جيدة لأنتاركتيكا، وفق الورقة البحثية.

أما الطريقة الثالثة فهي ضرورة تكامل جهود الحفظ، ولتكون فعالة يجب أن تكون تعاونية ما بين الحكومات والشركات السياحية والمؤسسات العلمية والزوار.