الزيارات المكثفة في المنطقة التي بدأها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وشملت مصر والأردن وتركيا، ثم تلتها زيارة الأمير تميم لمصر ومن ثم زيارة الرئيس السيسي للبحرين، وقبلها الاجتماعات التي عقدت في صحراء النقب بين الإمارات والبحرين ومصر والأردن وإسرائيل ومعهم أمريكا، وكذلك زيارة الرئيس العراقي الكاظمي للمملكة العربية السعودية، والاجتماع في البحرين بين وزراء الدفاع مع الوزير الإسرائيلي، كلها عبارة عن حراك نشط ينم عن استباق أمر ما في ظل التحولات المتسارعة في النظام العالمي الجديد.

البعض يقول إنه تمهيد للانسحاب الأمريكي من المنطقة كما فعلت في أفغانستان، وهذا ما ينفيه البنتاغون والبيت الأبيض، والبعض يقول إنه تمهيد لضرب إيران في حال فشلت المفاوضات على الاتفاق النووي.

والغريب أنه من بعد توقف وجمود للاتفاق في فيينا، صرحت إيران عن رغبتها في عودة المفاوضات إنما ليس في فيينا هذه المرة بل في قطر!!

مما يفتح باب الأسئلة عن «الدور القطري» في ظل هذه المتغيرات والذي تحاول قطر أن تقوم به في الضفتين معاً (الإيرانية والعربية)، وموقفها في الاجتماعات التي تهيئ الأجواء للتصدي على الأقل إن لم يكن للهجوم ضد إيران من جهة، وهي ترتيبات تتطلب قدراً من التنسيق بين دول الضفة الشرقية للخليج العربي مع إسرائيل، وبالمقابل رغباتها أن تلعب دور الوسيط الذي قبلت به إيران للعودة للتفاوض، فكيف سيستقيم الدوران!!

على صعيد آخر تفتح تلك التحركات باب الأسئلة حول إعادة رسم الدور الأمريكي في المنطقة، فكل الشواهد تدل على أنه لن يكون كالسابق.

العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة يعاد النظر فيها من قبل كل الأطراف لا من قبل الطرف الأمريكي فحسب.

فدول المنطقة فتحت الباب أمام تحالف «البريكس» مع الصين ومع روسيا، سواء كان تحالفاً اقتصادياً أو اتفاقيات شراء أسلحة أو تنسيقاً مشتركاً في أسواق الطاقة في أوبك بلس، وكلها على عكس ما تتمنى الولايات المتحدة الأمريكية.

وهذا التوجه متوقع في ظل تدهور العلاقة الأمريكية مع تلك الدول منذ عشر سنوات وجاءت هذه الإدارة لتزيده سوءاً، ولا أحد يعلم إن كانت زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة قادرة أن تصلح ما أفسدته أم لا؟ فهناك العديد من المصالح المشتركة ولكن المياه التي جرت خلال السنوات العشر الأخيرة وسوء تقدير الإدارات المتعاقبة الأخيرة لأهمية المنطقة بنى الكثير من الحواجز بينهما.

ثم أن هذه الإدارة أمضت نصف فترتها والانتخابات النيابية ستكون في نوفمبر القادم ستبين قدرتها على الاستمرار أم التضييق عليها، فهل ستمنح المملكة العربية السعودية طوق النجاة لهذه الإدارة؟ أم أنها ستشتري الوقت الذي هو في صالحها ولن تساعدها؟

وماذا ستقدم هذه الإدارة للسعودية لإغرائها بعودة العلاقات؟ فهل ستنخرط الولايات المتحدة الأمريكية في تعقيدات الشرق الأوسط وحروبها التي لا تهدأ في حين أن أمريكا تواجه أكبر خطر في هذا الوقت من التهديدات الروسية في أوروبا؟ أم ستكتفي بدور تنسيقي بين أجهزة الدفاع الخليجية بالتعاون مع إسرائيل؟ وتتفرغ للصين وروسيا كما تصرح؟

أم أنها ستكتفي بنجاح محدود يتمثل في بعض الترتيبات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية حول حرية الملاحة في خليج العقبة ومضيق تيران والسماح للطيران الإسرائيلي للتحليق في الأجواء السعودية؟

مما يفتح باب الأسئلة حول الدور الإسرائيلي والتركي داخل ما سماه الملك عبدالله ملك الأردن «ناتو شرق أوسطي» يضم الدولتين إلى جانب الدول العربية؟ فهل ستنضم هاتان الدولتان إلى الحلف أم ستكونان مجرد عامل مساعد فقط؟

هل هذا الحلف الذي لم تتشكل ملامحه بعد هو ضد إيران بخطط هجومية أم ضدها كسياسة دفاعية؟ وهل هو مرتبط بفشل الاتفاق فقط؟ أم للتصدي للعبث الإيراني في المنطقة بشكل عام؟

ثم السؤال عن الدور الإسرائيلي في التصدي لإيران، هل يهمها فعلاً القضاء على حزب الله وهل يشكل لها تهديداً حقيقياً؟ أم أن هناك تفاهمات بينهما على خطوط التماس بإمكان إسرائيل ردع أي تجاوز للحزب والاكتفاء بذلك دون الحاجة لمواجهة مباشرة معه؟ كما ولا حاجة لها بالدخول مع أفرع أخرى لتلك المليشيات في مواقع أخرى كالتصدي للحشد الحوثي في البحر الأحمر على سبيل المثال؟

بمعنى هل سيمتد الدرع الواقي الذي يؤسس الآن بالتعاون بين البحرين والإمارات وإسرائيل للجنوب السعودي لحماية المياه الإقليمية في البحر الأحمر ومضيق هرمز؟ أم هو مخصص للتصدي لإيران في الضفة الشرقية من الجزيرة العربية؟

ثم ما هو الدور التركي المطلوب في هذه التحركات؟ هل يقتصر على طلب شراء أسلحة كمسيرات البيرقدار مثلاً؟ أم أن هناك دوراً تنسيقياً أكبر؟

الإجابة على هذه الأسئلة سترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد.