التقيت قبل أيام في أحد المجالس بشخصية «شاب يصف نفسه برائد أعمال» رغم أنه بلا عمل، هذا الشخص كان يسرد كلاماً فلسفياً عميقاً لتجد نفسك تعتقد في حال أنك لا تركز فيه بأنه شخص خبير حكيم يقدم خلاصة تجربته في الحياة العملية.

هذا الشخص التفت للحضور وسألهم ما هي أكثر الوظائف أو الأعمال مدخولاً؟ هناك من الحضور من قال الوزير ومنهم من قال الطبيب ومنهم من قال وبحسب سقف تطلعاته كاشير في البنك.

إلا أن الشخص الجدلي هذا صدم الجميع بواقع كنا نعلمه ولا ندركه، بأن «ميسي ورونالدو» من أكثر الناس دخلاً على مستوى العالم!

وبينما نحن ننتظر الحكمة من هذا الكلام وجدنا أن هذا الشخص ينهي هذه المحاورة بلا هدف، إلا أن الحقيقة والواقع هو فعلاً أن أكثر الأشخاص دخلاً هذه الأيام هم أصحاب المهن غير المهمة أبداً أو أشخاص غير مهمين أصلاً مثل مشاهير مواقع التواصل وبعض «مهرجي مواقع التواصل» وبالمختصر «أصحاب التسلية»، فلا وزير ولا طبيب ولا مهندس بإمكانه هذه الأيام أن ينافسهم بمستوى الدخل.

وقد أستثني الرياضيين المحترفين من هذا التشبيه لأنهم في الأخير ينتمون إلى عالم رياضي طغت عليه صبغة المال والأعمال، وأصبحت الرياضة والمؤسسات الرياضية صناعة وحرفة.

إلا أن عالم «السوشيال ميديا» والذي هو عبارة عن فضاء مفتوح للجميع وفيه من كل أصناف البشر، أصبح وسيلة لقلب موازين المقامات البشرية، فتجد في هذا العالم المفكر والمختص والمثقف والإعلامي أقل تأثيراً في الناس وأقل تفاعلاً، عكس المتفننين في السفاهة والمحتوى الفارغ، فمجرد طرح رأي شاذ أو جدلي يمكنك من خلاله الوصول إلى لقب «المشهور» والحصول على عقود رعاية وصفقات لإعلانات، وتكون بسفهه البعض في واجهة المناسبات والفعاليات، متقدماً بذلك عن كثير ممن كرس وقته وحياته في خدمة مجاله بالشكل العلمي والعملي.

والأدهى من ذلك حين يخرج بعضهم يقدمون نصائح مالية أو صحية في مجالات تتطلب مختصين وخبراء، مسببين في ذلك لغطاً وإرباكاً في المجتمع، وفي المقابل الجهات المختصة لا تجدها تأخذ دورها في حماية حدودها والمجتمع من هؤلاء المتطفلين.

إن ترك من يسمون أنفسهم بـ«المشاهير» يتكلمون في جميع الاختصاصات دون حدود، باب يشجع الكثير إلى الدخول في هذا المسلك طمعاً في الشهرة والدخل وإحساساً بالأمن وإفلاتاً من العقاب.