التقارب السعودي الإيراني وإن كان مفاجئاً في توقيته إلا أنه لم يكن وليد اللحظة وإنما سبقه جولات من المفاوضات بحضور الوسطاء للوصول إلى هذا الاتفاق بين البلدين والذي تم التوقيع عليه في العاصمة الصينية والذي بلاشك سيكون إيجابياً للمنطقة برمتها إذا ما صدقت النوايا الإيرانية في عدم التدخل بشؤون الدول الداخلية ورفع يدها عن دعم الميليشيات والطابور الخامس في الدول العربية بحجة المظلومية، هنا يمكن أن نؤكد بأن اتفاق بكين سيجنب المنطقة الدخول في دوامة التوترات السياسية والأمنية التي لم يستفد منها أي طرف سوى انعدام الثقة وزعزعة الأمن والصراعات في كسر العظم بين الرياض وطهران على مختلف الأصعدة، وبالتالي نأمل جميعاً كما علقت الولايات المتحدة أن يصمد هذا الاتفاق وأن تغير إيران سلوكها بالفعل وتحترم سيادة جيرانها وتتخذ خطوات على أرض الواقع تؤكد حسن نواياها.

الاتفاق يمكن وصفه بالتاريخي استطاعت من خلاله الدبلوماسية الصينية أن تنهي قطيعة بين البلدين استمرت أكثر من سبعة أعوام حتماً سيكون لهذا الدور دلالات كثيرة سيؤدي إلى تعاظم وجودها في المنطقة في ظل تراجع أمريكي بسبب فشل الإدارة الأمريكية في تعزيز ثقة الدول بها بعد تغير المواقف تجاه السعودية ودول الخليج خصوصاً، ويبدو أن تبعات هذه السياسة هو بروز الصين كحليف جديد وقوي بعد تمكنها من إقناع قطبي المنطقة بالتوصل إلى اتفاق سيتبعه تفاهمات كثيرة أبرزها إنهاء الحرب في اليمن مع وجود أنباء بأن هناك لقاءات ومحادثات بين السعودية والحوثيين وهي انعكاس لهذا الاتفاق من أجل حل القضايا العالقة والتوصل لأرضية مشتركة لوقف الحرب واللجوء إلى الحلول السياسية، وما اتفاق بكين إلا الورقة التي ستؤدي إلى ضغوطات إيرانية على الحوثة لإنهاء الصراع في اليمن وبالتالي هناك تفاهمات ستؤدي إلى عودة الهدوء للمنطقة ولكن كيف ستكون هذه التفاهمات؟ الصورة لازالت غير واضحة حتى الآن، وستكون الأشهر القادمة كفيلة بأن تتضح «علاقات حسن الجوار» بين إيران من جهة ودول الخليج وعلى رأسها السعودية من جهة أخرى. بعد شهرين من الآن سيتم تطبيق الاتفاق باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بإعادة فتح السفارات وعقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين إلى جانب الترتيبات الأخرى التي ستصب في إنجاح هذا الاتفاق الذي كنا نأمله لعودة الاستقرار للمنطقة ولكن دائماً ما نرى تدخلات بشكل مباشر أو غير مباشر في شؤون دول المنطقة ونرى أن لإيران يداً بها سواءً في لبنان من حزب الله وفي اليمن من الحوثيين وفي سوريا من تدخلات الحرس الثوري وقيادة ما يجري على الأرض وفي العراق من تحكم إيران وإحكام قبضتها على القرار وفي دول الخليج من دعم للإرهابيين في إثارة وزعزعة الأمن في الكويت والبحرين والمنطقة الشرقية في السعودية، لذلك نكرر بأننا نرجو ونأمل هذه المرة أن تصدق إيران وتمد يدها للسعودية ودول الخليج والمنطقة ووضع نهاية لسنوات من الخلافات بين الدولتين لما لهما من ثقلهما وإنهاء الصراع الذي دائماً ما يشكل مصدراً للتوتر الطائفي في المنطقة.

همسة

بعد الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران الذي قامت الصين في لعب الدور الأكبر للتوصل إليه بجمع الفرقاء يؤكد ذلك بأن بكين ستكون لاعباً استراتيجياً جديداً في الخليج وهي رسالة مباشرة للقوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بأن الصين لن تظل بعد اليوم بعيدة عن الشرق الأوسط وهذا ما وصفته إدارة الرئيس جو بايدن بأن تعاظم دور الصين «أكبر تحدٍ جيوسياسي للقرن الـ21».