تتعاقب الأيام والسنون وتتطور الحياة للأفضل وكل جيل يحن إلى الفترة الزمنية التي عاصرها في طفولته أو في شبابه ويحسبها أنها الأفضل من الأجيال التي سبقته، والحقيقة أن كل جيل له بصمته وله إنجازاته ورونقه وفق محدودية تطور وتقدم مجتمعه في ذلك الوقت، ولا يوجد جيل أفضل من الآخر ولكن الحنين إلى تلك الفترة هي التي تعشعش في بعض الأفكار ظناً بأنها الأفضل.

فالكثير من الناس يحن إلى زمن الطيبين وفكرة العودة إلى الوراء ومعايشة تلك الفترة ببساطتها والإمكانية المحدودة، ولكن من منظوري الشخصي -وأنا من جيل الطيبين- أجد أن هذا الجيل الذي يتمتع بالتطور والتقدم محاط بكثير من النعم، أجد فيه التيسير والرفاهية والإمكانيات الضخمة وسائل ضرورية وهامة وجميلة كان يتمناها جيل الطيبين وجيل ما قبل الطيبين، فالبعض يعيشه اليوم والبعض أصبح بين يدي الله عز وجل، فالحنين إلى الماضي ما هو إلا الحنين إلى أشخاص معينة، إلى الذين رافقناهم في تلك الفترة، وإلى طفولتنا البريئة، وإلى جيراننا وأصحابنا في المدرسة ومعلمينا وكل من صادفناهم في حياتنا وأسعدنا معهم لا أكثر، أما الأشياء المادية لا أتوقع أنها تهمنا ولكن نسعد بذكراها لأننا نعيش في زمن ذهبي زاهر وراقٍ.

العادات والتقاليد مازالت تلازمنا ومازلنا نضعها في عين الاعتبار ومازلنا متمسكين بالموروث الشعبي والثقافي لأنها جذورنا الممتدة في أعماق هذه الأرض والمرتبطة أيضاً بخليجنا الواحد، فالحنين إلى الماضي والتمسك بالعادات والتقاليد تجعلنا نخلق جيلاً جديداً يقفون على أرض صلبة يزدهرون بما يربطهم معنا من الحنين، فمازلنا نعيش في زمن الطيبين ولكن في زمن متطور وإمكانية كبيرة، وهذا ما يجعلنا دائماً متمسكين بعادات كثيرة منها ما نمر به اليوم في شهر رمضان، فمازالت العوائل البحرينية متمسكة بالموروث الثقافي الخاص بشهر رمضان والعادات التي ترافق هذا الشهر من مأكل ومشرب وملبس وإحياء ليلة القرقاعون والمسحر وليالي الغبقة ولمة الأهل على سفرة واحدة، نحن نعيش في زمن الطيبين ولكن بروح هذا الجيل، والتغيير دليل على ديمومتنا، وهذا ليس عيباً، العيب هو أن نتخلى عن جذورنا وثقافتنا وعاداتنا التي تبلور هويتنا الأصيلة.