لا يكاد يمر أسبوع إلا ونقرأ خبراً جديداً عن ضبط متورطين في تجارة المخدرات، أخبار وإن باتت مألوفة إلا أنها مؤلمة، لأنها تذكرنا بأن هناك من يتعامل مع هذا الوطن كأنه سوق لتجارته القذرة، ومع شبابه كأنهم سلعة قابلة للاستهلاك، ومع القيم والدين والإنسانية كأنها تفاصيل تعيق طريق الربح الحرام.
تجار المخدرات، بغض النظر عن أصولهم وأديانهم وجنسياتهم، لا يعنيهم هدم البيوت ولا دموع الأمهات ولا ضياع مستقبل شاب في لحظة ضعف، فهم مستعدون لبيع أجيال كاملة مقابل دنانير مغموسة بدموع الأمهات وانكسار الآباء وضياع الأبناء. المخدرات، بكل أنواعها ومسمياته سلاح صامت، يبدأ بتخدير العقل، وينتهي بتفكيك الأسرة، وزعزعة المجتمع، وضرب الأمن الاجتماعي، وكم سمعنا عن قصص ضياع عائلات بأكملها بسبب هذه السموم.
وسط هذا المشهد، تبرز نقاط ضوء تبعث على الاطمئنان، وهو ما لمسناه في الإعلان الأخير لوزارة الداخلية حيث تم ضبط 12 شخصاً في عمليات منفصلة، وبحوزتهم نحو 17 كيلوغراماً من المواد المخدرة، وقد مثل هذا الإعلان وغيره رسالة واضحة بأن هناك من يسهر ليلاً ونهاراً، يراقب ويتحرى ويلاحق، ليحمي هذا الوطن وأهله، فهذه العمليات التي تقوم على معلومات دقيقة وتعاون بين الجهات المعنية، تؤكد أن المعركة تدار بعقل احترافي وإرادة لا تعرف التراجع.
التحية هنا واجب مستحق لإدارة مكافحة المخدرات، وللإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، ولكل رجل أمن يقف في الصف الأول، يطارد تجار السموم، ويصنع من نفسه درعاً لحماية المجتمع واستقراره الإنساني، جهود تستحق أن تدعم بقرارات حازمة وعقوبات رادعة والضرب بيد من حديد على كل من يفكر في العبث بأمن الوطن أو المتاجرة بمستقبل شبابه، لأن التساهل في هذا الملف يفتح الباب لخراب لا يمكن السيطرة عليه لاحقاً.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة الأهم؛ هذه ليست معركة أجهزة أمنية فقط، إنها معركة مجتمع كامل في مواجهة شياطين الظلام، حيث دور المواطن والمقيم هو الأساس بالتبليغ عبر الطرق والآليات المتاحة، حماية للأسرة وإنقاذاً للشباب الذين قد يكونون، أبناء أو أخوة أو أصدقاء.
مواجهة المخدرات هي معركة وعي قبل أن تكون معركة أمنية، هي دفاع عن قيم ومستقبل، وعن صورة البحرين كبلد آمن متماسك، يضع الإنسان في مقدمة أولوياته.
وبينما تواصل وزارة الداخلية عملها، يبقى الرهان الحقيقي على مجتمع واعٍ غير مساوم أو صامت، مجتمع يقول بوضوح لا مكان لتجار السموم بيننا، ولا تسامح مع من يعبث بأمن الوطن واستقراره الإنساني.