ما أن انتهت الهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، حتى عادت القوات الإسرائيلية لقصف الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة بكل ما تملك من قوة وجبروت رغم المطالبات الدولية بتثبيت وقف إطلاق النار، مخلفة في ذلك عشرات الشهداء من المدنيين العزل جلهم ما بين نساء وأطفال.

في أول أيام الهدنة أعلن الطرف الإسرائيلي إمكانية تمديد الهدنة مقابل الإفراج عن المزيد من الرهائن، وهو ما توافق عليه الطرف الفلسطيني والتزمت فيه حتى آخر يوم من الهدنة الممددة، وكالعادة لم يلتزم الاحتلال بأي وعود رغم أن طلب التمديد مقابل الرهائن كان طلباً «إسرائيلي»، والسبب كما هو ظاهر فشل قوات الاحتلال طوال فترة الهدنة من إثبات استغلال «حماس» للمستشفيات أو المدارس كقواعد أو مخابئ بل على العكس اكتشف العالم حجم الدمار والخراب الذي ألحقته أيادي الحقد والبطش بالمستشفيات والمدارس ومنازل المدنيين، والثانية التعاطف الذي نالته الفصائل الفلسطينية من الناس في مختلف أنحاء العالم بعد مشاهدتهم للمعاملة التي عاملوها للأسرى الإسرائيليين، أضف عليه شهادات الأسرى الذين أكدوا تلقيهم للمعاملة الطيبة والرعاية طوال فترة أسرهم، وكل ذلك لم يكن في صالح الطرف المحتل الذي يسرد حكايات المظلومية والدفاع عن النفس والتي سرعان ما تكشفت حقائقها للعالم.

الأمر الثاني والمهم في فترة الهدنة هو إصرار الاحتلال على عدم السماح للمدنيين الفلسطينيين من العودة لمنازلهم في شمال غزة، حيث تم منع أي شخص من العودة عن طريق إطلاق النار مباشرة، والسبب في ذلك البعد الاستراتيجي في المخطط الإسرائيلي في إفراغ قطاع غزة بالكامل من سكانه.

فما تدعيه إسرائيل بأن عملياتها في غزة مستمرة حتى القضاء على حركة حماس، مجرد غطاء وهمي للعالم، وهو ما تدركه كل الدول العربية والعالمية، فالنية الأساسية هي تهجير مليوني فلسطيني وإجبارهم للنزوح إلى سيناء.

دعوات العالم لحل الدولتين لم ولن تجد قبولاً لدى الجانب الإسرائيلي، هذه الفكرة التي وضع أساساتها المفكر السياسي وعالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي بعد حرب 1967 بين العرب وإسرائيل، ولاقت قبولاً وترحيباً من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلا أنها واجهت هجوماً شرساً من قبل إسرائيل واللوبيات الدعامة لها في الأمم المتحدة والدول الغربية.

أهداف ونوايا إسرائيل كانت ولا تزال كما وقت 1917 بأن لن تكون هناك دولة اسمها فلسطين، وأن الأراضي الفلسطينية كلها جزء من دولة إسرائيل، ولا أدري كيف يتوقع هؤلاء المحتلون سلاماً وأمناً من باقي الدول العربية، يكفي فقط حجم القتل والدمار الذي شهدته فترة ما بين الشهرين الماضيين لخلق حاجز كبير بيننا وبينهم وتأكيد بأن ما بيننا وبينهم أمر أكبر بكثير من الدم.