عندما تتحدث المشاعر تتلون أطياف النفس، تعيش لمحات جميلة في أيام العمر. لا يعرف تأثير المشاعر ولذة التعامل بها ومراعاتها في خضم الحياة إلا من طابت نفسه بالعيش الجميل، وطابت مشاعره بعيداً عن مُنغصات الحياة، وعاش من أجل أن يتنعم بالخير، ويسير على أثره، فيرى جمال كل شيء بمنظور المشاعر، وقلّما تراه يتأسّد بمشاعره في تعامله مع الغير، وهي الصورة التي تراها تنتشر بين أصناف البشر الذين يعشقون التبختر في مواقف الحياة ويعتقدون أن المشاعر لا مكانة لها في حياة الآخرين.

عندما تتحدث المشاعر فإنما تتحدث عن تلك الأحاسيس الجميلة التي كان يمشي بها النبي صلى الله عليه وسلم في طرقات مكة والمدينة، ويتعامل بها مع صحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم. ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم منهاجاً جميلاً في صيانة مشاعر الآخرين، وهي مبادىء إنسانية سامية، قلّ من ينتبه إليها في أيام حياته، بل إن البعض ليهتم بالصورة الظاهرية على حساب ذلك الفؤاد الذي يتحمل الكثير من أجل أن يقف صاحبه على رجليه ليواجه الحياة بأحاسيسه ومشاعره المتأرجحة أحياناً بما يحمل فيها من وخزات الحياة المؤلمة. إنها المشاعر غير المحسوسة التي يتراكم أثرها في الفؤاد والعاطفة، وجرحها أحياناً لا يلتئم بسرعة، وبخاصة إن كان صاحبها كتوماً غير مهتم بالأخذ والعطاء في مسير الحياة.

لقد رسم النبي صلى الله عليه وسلم مساراً جميلاً في شتى معاملاته، فقد اهتم بمشاعر المُخطىء فلم يوبخ بقدر ما يُصحح المسار، فحمل شعار «ما بال أقوام» وأوصى الصحابة بعدم تعنيف ذلك الإعرابي الذي بال في المسجد، وقال «لا تزرموه» أي لا تقطعوا بوله. كما رسم عليه الصلاة والسلام عدة صور جميلة بمراعاة المشاعر في كافة شؤون الحياة، كآداب الاستئذان، وعدم إزعاج الغير، ومراعاة مشاعر المحزون، والشعور بآلام الآخرين، وغيرها. وما أجمل أن تحس بمشاعر من تصحبه عندما تتغير قسمات وجهه، أو تتغير لهجته، أو تظهر على وجهه علامات الحزن والأسى. حينها تدفعك مشاعرك للسؤال عن صاحبك، كيف أنت وما بك، فلست ذلك القلب الذي أعرفه؟

إنها المشاعر الذي تتفاعل من خلالها مع أهلك ووالديك، فلا تضع «نقطة» لكل عبارة، ولا تفند كل قول، ولا تغلظ في الحديث، فدعهم يتحدثوا وتعلم فن الاستماع، وتعلّم كيف تتفاعل مع الأحاسيس وتتفاعل مع رونق الكلمات الجميلة، وتختار أطايبها، فهي التي تترك الأثر العميق في النفوس. المشاعر عندما تستمع لوالديك وما بذلاه من تضحية وكفاح من أجل أن تصل إلى ما أنت عليه الآن، فحينها يحتاجون منك فقط لكلمات تلامس أوتار قلوبهم وتشعرهم أنهم في صدارة المُحبين في قلبك. «ربي يعطيكم العافية يا أعز من في الوجود، ويطول أعماركم، ويجزكم كل خير على كل ما قدمتوه، أنتما ذخرنا وسعادتنا». فجميل جدًا أن تسمعهما جمال هذه الكلمات.

المشاعر عندما تتذوق معاني الوفاء مع من تحب، وبخاصة مع مشايخك ومُعلميك وأصحاب الفضل، فتتواصل معهم ولو برسائل حب وتقدير بين الحين والآخر، ولا تنس معروفهم في كل موقف تطل عليه، وفي كل مناسبة تمر بك، فهم ينتظرون أحساسك بهم، وبمن كانوا معك في تلك الأيام الجميلة من أجل مذاق الإحساس الجميل الذي جعلهم في أمان الحياة. المشاعر التي تجعلك تحن إلى الماضي الجميل، وإلى لقاء الطيبين الذين يتبادلون معك طيف الذكريات الجميلة، ويعانقون قلبك المحب للخير.

المشاعر هي بكلماتك الجميلة التي تصبح بها على الآخرين في عملك، وتطرق الباب على أصحاب الفضل ومن تحب، ولزملاء الحياة، فتقدرهم وتتبادل معهم الحُب بكلمات «ربي يعطيكم الصحة والعافية ويبارك في جهودكم، أنتم أجمل صورة للأثر في حياتي، وسأظل أدعو لكم بالخير وإن ابتعدت المسافات أو قلّ اللقاء».

يجب أن نعيش الحياة بحُب وتقدير وامتنان، يجب أن نتعلم كيف نصوغ «رسائل الامتنان»، لأنها رسائل تقدير وعرفان ومودة، تمسح على المشاعر برفق وتزيل عنها غبار الحياة. يجب أن نتعلم أن نكتب رسالة حُب وشكر ونمتن لكل من أهدى إلينا ولو قطعة حلوى على مكاتبنا أو ترك أثراً جميلاً في حياتنا ولو كان صغيراً. فكل واحد منا يحتاج إلى لمسات الامتنان، فهي الأثر الجميل الذي يطيب الخاطر، ويُجمل أطيافه.

ومضة أمل

تعلّم أن تُحب بقلبك، وأن تتبادل مشاعر المودة مع أعز القلوب التي تعشقها، وتعلّم أن تبدأ أول لقاء أثر في كل يوم من أيام عمرك بأجمل تحيات السلام والأمان. دمتم بحب وأجمل المشاعر.