نسير من أجل الله عزّ وجلّ وحده، نسير من أجل الفردوس الأعلى الذي جهزه الله للصادقين في مسار حياتهم. الفردوس الذي نتمنى أن نكون هناك في مساحاته نحن وآباؤنا وأزواجنا وذرياتنا وأهلونا وأحبابنا ومُحبونا.

نسير من أجل الله وحده فمحبته هي الأولى في كل خطواتنا. «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، ومنها: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما». نسير من أجل أن يرضى الله تعالى عنا في كل خطواتنا وعن كل أعمالنا ونياتنا وخواطرنا التي لا يطلع عليها إلا هو. هو وحده الذي نعيش من أجل أن يرضى عنا وأن يكرمنا بكرمه في الدارين، وأن يقدر لنا أجمل الأرزاق، وأن يكتبنا في قائمة المقبولين والموفقين.

وحده الذي نبتغي أن يكون معنا في كل لحظات أعمارنا، وحتى الرمق الأخير من حياتنا عندما تتخبطنا أحوال الحياة يمنة ويسرة، ووحده تعالى القادر على أن ينجينا منها وأن يكرمنا بالتلفظ بالشهادتين.

وحده الكريم الذي يُنجينا من عثرات الحياة ومن أحوال السوء والتردي. «اللهم إنا نعوذ بك من الهدم ونعوذ بك من التردي ونعوذ بك من الغرق والحرق والهرم ونعوذ بك أن يتخبطنا الشيطان عند الموت».

من أجله نسير فهو المنعم علينا بأرزاق الدنيا، يكرمنا ببيت هانىء وبلقمة تسد جوعتنا، وبماء بارد يسد ظمأنا. يكرمنا بأمن وأمان وعافية ورزق لا يخطر على البال، يجبر كسرنا وخواطرنا بفتوحات تعطينا الأمل بأننا اليوم على موعد متجدد لأجمل الأرزاق، وأجمل أثر نرسمه في مسير حياتنا. يجبر خواطرنا بمحبته التي نستشعر بها في كل مناحي حياتنا. يا الله.. كم هي جميلة محبتك.. كم هي جميلة هذه المشاعر التي نحسها وإن قصرنا في حقك. محبة نستشعرها بمحبة الناس.. بمحبة من يُحبنا بقلبه ومشاعره. يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يُحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض». تصور أن الله تعالى إذا أحبك يدعو جبريل حتى يُحبك، وجبريل يدعو أهل السماء ليحبوك.. هل تعلم من هم في السماء، وعددهم!! ثم يحبك أهل الأرض عندما يوضع لك القبول، وأي قبول هذا الذي يجعلك مجبور الخاطر فقبولك مرسوم في كل قلب في الأرض، وليس بمن يعرفك فقط.

هل استشعرت حجم هذه المحبة.. هل استشعرت حب الله تعالى لك كيف سيكون؟ حب جبريل الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن العظيم؟ يا الله.. أي جمال هذا.. وأي استشعار هذا.. مهما استشعرنا ومهما رجوناك ومهما أطعناك فلن نبلغ المنزلة.. منزلة القرب منك التي نأملها.. فقد أسرفنا في التقصير وألهتنا الحياة على أن نتذلل إليك في كل لحظة، على أن نصدق في مساعينا في الحياة في كل لحظة، على أن نمسح أثقال الحياة من على قلوبنا، على أن نصحح المسار ونزيل الران ونأنف من الرجوع إلى هوامش الحياة ومزعجاتها.

إلى هناك نسير، ومن أجل ذلك نسعى، ومن أجل الله تعالى نكون خلفاءه في الأرض ونقوم بواجب التكليف، فهو من أمرنا وكلّفنا وخلقنا لنكون هنا في أجواء الاختبار والتمحيص، ليعطينا الأجر والمنزلة على قدر الاجتهاد والعمل.

فأي منزلة هذه التي نبتغي، وهل يا ترى نرضى بأن نكون دون منزلة القرب من الله تعالى ولذة النظر إلى وجهه، وإلى أن نكون رفقاء النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس، ومن روّاد حوضه لننعم برؤيته والشرب من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.

من هنا نأتي لنراجع الحسابات ونقرر بأن نكون أبطالاً للحياة نُحب الحياة كما يجب، لأن حبها هو حب الله عز وجل في دار فانية، ولكنها دار عمل ونتاج وأثر إيجابي جميل، ودار عطاء بلا حدود، بصدق مع الله عز وجل، وبتجديد النيات.

من هنا وفي سعينا إلى ذلك المقام لا بد أن نجدد العهد مع الله عز وجل، ونبذل المزيد ونترك عراقيل الضير وتتبع مزعجات الحياة ونزغات الشيطان. والأجمل حتى لا نعود إلى الوراء بأن نقرر بأن نكون «مع الله» دائماً وأبداً، وأن تكون كل أنفاسنا «لله وحده»، وكل أعمالنا في كل لحظة أثر نبتغي فيها رضا الله.

ومضة أمل

اللهم إياك نعبد، ولك نُصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار مُلحق.