جمع الحزم والعفو، والحكمة والتواضع، والقوة والرحمة، وسنوات حكمه لم تكن سهلة، ولم تخلُ من التحديات، مرت بأزمات محلية وعالمية، إنما بقيت البحرين في عهده أزهى.

لو لم يكن الميثاق الوطني استفتاء، ولو لم تكن التعديلات الدستورية التي توجت القضاء بمحكمة دستورية ووضعت قبة الميزان للاستقرار السياسي عبر غرفة تشريعية ثانية وأعطت المرأة حقها السياسي وسمحت بعودة الحياة إلى المجالس المنتخبة برلماناً وأحزاباً ونقابات ومؤسسات مدنية لاصطدم حراك هذا الشعب بجدران الحكم، إنما حكمته أوجدت نقاط الالتقاء وأوساط الحلول التي جعلت من شعبه شريكاً فاعلاً في الحكم معه، خطط لهذه الصيغة منذ كان ولياً للعهد، ألا ينفرد بالحكم، بل يعمل على صيغة شراكة مجتمعية؛ لأنه يعرف مدى طموح شعبه، إنها الحكمة.

حين اصطنعت الفوضى العالمية التي لم تكن خلاقة بأي شكل من الأشكال، كانت البحرين ضمن مخططاتهم، ووجد هذا البلد الصغير نفسه أمام قوى دولية عظمى تهدد وترعد وتزبد وتنوي إسقاط هذا البلد في أتون مخططاتها الجهنمية، ورأى بعينه دولاً تضيع وشعوباً تتشرد وأنظمة تسقط، فكيف لله دره أخرج البحرين من بطن حوتهم الذي لم يبق ولم يذر؟! وقف أمام تلك القوى دون مهابة طرد مندوبيها، وتجاهل إصرار رؤسائها على استفزازاتهم، وأقر حكم القانون على من سلم نفسه للشيطان، ومد يده بدل المرة مرات لمن يتراجع عن أخطائه منهم وأعاد دفة السفينة إلى صوابها، ومرت البحرين عبر أعتى الأعاصير الدولية وأشدها، ونجت بفضل من الله وبفضل إدارته الحكيمة للأزمة، فكانت تجربتنا مضرباً للأمثال وصورة حية لقول الله سبحانه وتعالى «إن ينصركم الله فلا غالب لكم».

للأيتام والأرامل مكانة خاصة في قلبه الكبير، سخر لهم ما يكفيهم وظلل عليهم بأبوته، فشاهدنا أجمل اللقطات العفوية بينه وبين أبنائه الذين كفلهم، فلا يمكن لأي مهارة تدريبية أن تصنع مثل تلك الأحضان العفوية والصادقة من الأيتام حين يجتمعون به، كم من لقطة جميلة لأطفال حضنوه بقلوبهم قبل أيديهم الصغيرة التي التفت تلصق تلك الأجساد الصغيرة بأبيهم، أسرت قلوبنا وأدمعت عيوننا لصدقها وهي تشكر القلب الذي عوضها فقدان الأب، إنه الامتنان الحقيقي لأبوة حقيقية، ذلك هو القلب الرحوم ذاته الذي اتخذ أصعب القرارات وأكثرها حزما، لكن للرحمة والحنان مكان محفوظ في قلبه.. لمن يستحقه.

مرت علينا أزمات عالمية كالكورونا رأينا فيها مكانتنا كشعب وبشر في قلب مليكنا، ورأينا التجربة الحية الحقيقية والصادقة لمغزى ومعنى الحقوق الإنسانية، ورأينا فيها الفارق بين نظامنا البحريني تحت ظل قيادته وأنظمة ادعت دائماً رعايتها لحقوق الإنسان وسمحت لنفسها أن تتدثر بشعاراتها كشرطي دولي لحمايتها، فإذا بها تسقط في أول امتحان مقابل علو كعبنا كمؤمنيين حقيقيين بكرامة الإنسان وبالعدالة وعدم التمييز بين البشر؛ لأننا لم نتخذها أدوات لنحقق بها مآرب أخرى، بل هي قناعات توارثناها أباً عن جد، وورثها مليكنا من حاكم عادل أباً عن جد.

هذا هو حمد بن عيسى، هذا هو مليكنا الذي جعل للمصداقية عنواناً حين نتحدث عن الحقوق الإنسانية والتعايش والتسامح فإن شئت أن تتعلمها فالبحرين مدرستها.

مليكنا

أدام الله علينا نعمة الأمن والاستقرار وأدامك الله قائداً وأباً ومليكاً وأسبغ عليك ثوب الصحة والعافية.