نعم، إنها قمم القادة العظماء، التي يسطّرها التاريخ، هؤلاء القادة الذين يسعون إلى الأمن والسلام والاستقرار والازدهار، لشعوبهم ولشعوب الدول الشقيقة والصديقة في ربوع المعمورة، جمعاء، وخير مثال على قمم القادة العظماء، القمّتين، «البحرينية الروسية»، و«البحرينية الصينية»، اللتين عُقِدتا خلال الزيارة الأُولى لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المُعظّم حفظه الله ورعاه، إلى جمهورية روسيا الاتحادية، ثم خلال الزيارة الثانية، لجلالته، إلى جمهورية الصين الشعبية.

ولقد كان من المهمّ خلال تلك القمّتين، رصد الحديث عن مسار علاقات التعاون الثنائي، والتطور النوعي الذي سوف تشهده خلال المرحلة المقبلة، بعد ما وصلت إليه من مستوى متقدّم وسُبل تطوير التعاون المشترك والارتقاء به إلى آفاق أشمل بما يُسهم في خدمة مصالح وأهداف البلدان الثلاثة وشعوبها الشقيقة والصديقة.

كما يتبيّن من الكلمات والخطابات والتصريحات والبيانات المشتركة التي صدرت خلال القمّتين التاريخيتين اللتين عُقِدتا، في موسكو، وبكين، الثوابت المشتركة في الدعوة إلى السلام العادل والشامل، وحرص حضرة صاحب الجلالة الملك المُعظّم على انعقاد المؤتمر الدولي للسلام، ورغبة مملكة البحرين في استضافته، لاسيما وأن «روسيا كانت هي أوّل دولة يتوجّه إليها جلالته بطلب دعم هذا المؤتمر نظراً لأهمية دور روسيا وكذلك الدول العالمية المؤثرة»، حيث أعرب جلالته عن أمله بأن «يتحقّق هذا المؤتمر في مملكة البحرين».

ولقد كان لافتاً خلال القمّتين حديث جلالة الملك المُعظّم عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى وهي القضية المحورية والأساسية بالنسبة لمملكة البحرين، وهنا نتوقف عند ما ذكره جلالته بقوله «غزّة هي إحدى النقاط المؤلمة وأن الجميع يأمل أن تتوقف هذه الحرب في أقرب وقت، حفاظاً على الأبرياء الذين تأثروا كثيراً ونزوح مئات الألوف من بيوتهم ومن مناطقهم وهم يبحثون في بلادهم التي يبلغ طولها 40 كيلومتراً تقريباً وعرضها 12 كيلومتراً، بينما القصف مستمر»، مؤكداً أن «التركيز يبقى على الأبرياء وعلى كيفية مساعدتهم إنسانياً، أمّا الخلاف فهو معروف وتاريخي....».

لذلك كان لافتاً التضامن القوي من الدولتين العُظميَين مع ما تدعو إليه البحرين والمتعلّق بضرورة العمل على تحرّك دولي فاعل للعملية السلمية في الشرق الأوسط، لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة، وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس حلّ الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية، لضمان السّلم والاستقرار في المنطقة، وضرورة اتخاذ المجتمع الدولي ومجلس الأمن لموقف حازم لوقف الحرب على غزّة، من أجل إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وضرورة الاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة.

ومن المواقف التي يذكرها التاريخ في القمّتين التاريخيتين، إشارة جلالة الملك المُعظّم إلى تطلّع مملكة البحرين لتحسين علاقاتها مع إيران، وهو ما يؤكد نهج مملكة البحرين القائم على السلام واحترام الدول الشقيقة والصديقة وصون حسن الجوار لدى تلك الدول.

ولعلّ أبرز المحاور التي تناولتها القمّة البحرينية الصينية الدعوة إلى ضرورة العمل على تحرّك دولي فاعل للعملية السلمية في الشرق الأوسط، وتعزيز التعاون بين البحرين والصين، عبر تفعيل الاتفاقيات الثنائية، بالإضافة إلى استكشاف الفرص الاستثمارية المتنوعة والمتاحة لدى الجانبين، والتكاتف القويّ بين البحرين والصين على الساحة الدولية، وهنا تجدر الإشارة إلى الثقة الكبيرة في دعم الصين لقرارات قمة البحرين العربية، بالإضافة إلى التطلّع إلى الانتهاء من مفاوضات إنشاء منطقة تجارة حرّة بين مجلس التعاون الخليجي وبكين، خاصة مع الالتزام بترسيخ ونشر قيم السلام والتسامح والتعايش الإنساني، والاتفاق على ضرورة حلّ الصراعات والنزاعات ومنح الشعوب أبسط الحقوق الإنسانية.

ومن خلال تلك القمّتين التاريخيتين، نلحظ جلياً أن البحرين هي الرابح الأكبر من خلال نظرة العالم إلى السعي الحثيث لجلالة الملك المُعظّم في نشر سُبل السلام في أنحاء المعمورة بالإضافة إلى التوقيع على نحو 17 اتفاقية ومذكّرة تفاهم مع قوّتين عُظميَين في مجالات مختلفة تصبّ بشكل مباشر في صالح الاقتصاد البحريني، وينعكس أثرها على الكوادر الوطنية في «فريق البحرين».

نهج السلام، هذا الذي يدعو إليه جلالة الملك المُعظّم، بعد النجاح الكبير والملحوظ لجلالته في رئاسة القمّة العربية التي عُقدت في المملكة منتصف شهر مايو الماضي، وتوجّه جلالته إلى روسيا ثُمّ الصين، من أجل الدعوة إلى المؤتمر الدولي للسلام، هذا النهج، يسطّره التاريخ، لقائد عربيّ فذّ، من خلال سعي حثيث لتحقيق آمال وطنه، والأمّتين العربية والإسلامية، وما فيه الخير للعالم أجمع.