كان هذا اليوم مليئاً بالأحداث، مع مرور الأيام تزداد من حولنا الضغوطات، أجسادنا مرهقة، عقولنا مشتتة، أرواحنا تتوق للعزلة بحثاً عن ملاذ للراحة والشعور بالأمان، أصبحنا نعيش في مجتمع متطلب جداً، وهو في كل يوم يريد المزيد والمزيد وكلما حاولت التقييد بتعليمات المجتمع كلما ازددت إرهاقاً، فمع تلك التعليمات لا توجد نهاية ولا حد اكتفاء، فأنت كلما أنفقت وكلما اقتنيت عليك أن تنفق المزيد وتقتني المزيد.
إن الإرهاق المادي الذي نتكبده في سبيل إرضاء المجتمع ما هو إلا هين مقارنة بما نتكبده كل يوم من إرهاق فكري ونفسي وجسدي، في هذا المجتمع ينقسم الناس إلى فئات وفق معايير معينة غريبة أهمها معيار (المقتنيات)، فكلما اقتنيت الأغلى والأحدث كلما ازددت مكانة ورقياً، أو دعني أقول كلما تظاهرت باقتناء الأغلى والأحدث، فمؤخراً تم تسليط الضوء على عدد كبير من النخبة الذين صنفهم المجتمع وفق معايير الاقتناء إلى فئة الصفوة، حيث أظهرت تقارير قيامهم باقتناء ما يشبه الأغلى والأحدث على أنه الأغلى والأحدث، ففي محاولاتنا المستمرة للوصول لفئة الصفوة أصبحنا لا نهتم كثيراً بين ما هو مقبول ولا مقبول، الوسيلة ليست مهمة، ولكن المهم هو تحقيق الهدف.
في وقت سابق كان المال أحد أهم أدوات القياس التي يتم من خلالها قياس مدى قوة الشخص في المجتمع، لكن العلم أيضاً كان أحد أدوات قياس القوة، فكانت هناك فئة الأغنياء وفئة العلماء، اليوم أيضاً المال يعد أحد أدوات قياس القوة، ولكن مع اختلاف بسيط وهو كيف تظهر بمظهر المالك للمال وأنت لا تملكه، فلم يعد مهماً حقاً إن كنت تمتلك المال، لطالما أنك تظهر امتلاكه إذاً فأنت مرحب بك في عالم الصفوة.
مع مرور الزمن أصبحنا نسلك سلوكيات دخيلة، أصبحنا نعتقد يقيناً أن معايير الشخصية القوية المؤثرة لم تعد كما كانت سابقاً تلك التي كانت تمتلك الحكمة والرصانة والعلم والمال والهيبة، أصبحت الشخصية القوية المؤثرة تلك التي تظهر بشكل أكثر على وسائل التواصل الاجتماعي، وتغذي المشاهد برسائل أغلبها لا كلها لا تهدف لشيء سوى أنها رسائل تخدر عقول فئة المراهقين والشباب بأفكار عقيمة عن المال وأهمية الشكل، بل أنها وضعت معايير الجمال وفق قوالب معينة، كما وضعت للنجاح قواعد محددة وقوانين.
الخلاصة
لن نستطيع أن نتحكم في المجتمع الذي نعيش فيه والتغيرات السريعة التي تحدث من حولنا، لكننا نستطيع أن نختار كيف نربي أبناءنا، فهم رجال وسيدات الغد، فإذا أصلحناهم فكأننا نضع حجر الأساس لمجتمع جديد، سوي، ذي قيم ومبادئ، ليس بالأمر السهل، لكننا نستطيع.