تحتفل الأمم المتحدة باليوم الدولي للمسنين بتاريخ 1 أكتوبر من كل عام، وفي هذا اليوم يتم إقامة الاحتفالات الترفيهية للمسنين، وحفلات التكريم لإنجازات المسنين السابقة، واستعراض سيرهم وإنجازاتهم، ويعتبر تخصيص يوم للاحتفال بالمسنين يعزز مبدأ التراحم بين أفراد المجتمع، وقيم التماسك والترابط الأسري، كما يعزز القيم الأخلاقية كاحترام الكبير وتقديره وهذه القيم جميعها تنطلق من مبادئ ديننا الحنيف. ويقصد بالمسن هو كل من بلغ الستين عاماً فما فوق. ويمكننا القول إن الإنسان إذا بلغ سن الستين سواء رجلاً أو امرأة يسمى مسناً، وهذه الكلمة مشتقة من السن أو بمعنى آخر مرور السنين بهذا الإنسان.

وإذا ما استعرضنا ثقافتنا العربية والإسلامية نجد أن الإنسان عندما يكبر يسمى شيخاً، فكلمة شيخ في اللغة كما ورد في معجم المعاني الجامع تعني: "شيَّخَ فلانٌ شاخ، تقدّم في السِّنِّ وصار شَيْخاً"، فالإنسان الكبير في السن كان يسمى شيخاً، وفي الوقت نفسه هناك استخدامات لكلمة الشيخ في مجالات عدة وجميعها في مجال القيادة وإتقان العلوم، فيطلق كلمة شيخ على كل من كان متميزاً بين قومه وذا مكانة ووجاهة وفضل أو رياسة فقائد القبيلة يسمى شيخاً، ويقال شيخ البلد وهو من رجال الإدارة في القرية وهو دون العمدة، ومَجْلِس الشُّيوخ: وهو سلطة تشريعيَّة في بعض البلدان تكمّل عمل مَجْلِس النّوّاب، وهي تضمّ أعيان البلد من شخصيّات منتخبة أو معيّنة نظراً لأهمِّيتها السياسيَّة أو القوميّة.

أما في مجال العلوم، فيطلق كلمة شيخ على كل من برع في علم من العلوم، فيقال: "فلانٌ شيخ المحقِّقين" كما يطلق كلمة شيخ على من أتقن العلوم فعالم الدين يسمى شيخاً، ورئيس الأزهر يسمى شيخ الأزهر، والأساتذة والعلماء والمدرسون في الأزهر يسمى شيخ الأزهر كما يطلق لقب شيخ على علماء الشريعة والفقه فيقال: شيخ الإسلام فهو لقب يُطلق على فقهاء الإسلام، وقد كان محصوراً برجال العلم والتصوّف والفلسفة وهو متقن في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة، بل إن المتميزين في العلوم والأكفاء كانوا يوصفون "بدربة الشيخ" أي أنه تدرب على يد شيوخ، فأخذ من حنكتهم وخبرتهم. بل إن لقب شيخ يمنح لعلماء وقادة محددين وكأن هذا اللقب وسام لهم مثل: ابن سيناء لقب بالشيخ الرئيس كما لقب أبوبكر وعمر رضي الله عنهما بالشيخين، وكذلك لقب البخاري ومسلم بالشيخين. فكلمة الشيخ أصبحت تحمل دلالة الكبر في السن، ودلالة الحكمة والمعرفة والحنكة.

من هنا، فإن اللقب الذي يطلق على كبير السن لا يقتصر معناه على كبر السن، بل يكون مرادفاً للخبرة والعلم والحنكة والحكمة، إن ربط تسمية الكبير بالسن بالخبرة والكفاءة يعطي مجالاً لاستثمار قدرات وطاقات الإنسان في جميع مراحل عمره، فلا يقتصر عطاء الإنسان على مرحلة الشباب، بل يستمر إلى آخر حياة المسن، وكلما ارتفعت جودة حياة كبار السن كلما زادت قدرتهم على المزيد من العطاء وخدمة المجتمع، فمن الهدر في الموارد البشرية أن يقتصر دور الإنسان عندما يكبر على الترفيه وارتياد المجالس والمقاهي أو الحاجة للرعاية، دون الرغبة في العطاء والإنجاز، لاسيما عندما يكون بصحة جيدة، ويكون قادراً على العطاء، فلا بد من استثمار طاقته وخبرته، فيخدم مجتمعه ويخدم الناس، ويحقق الإنجازات المفيدة.

وعلى الرغم من أن الموارد المادية كالمعادن بأنواعها، والزراعة، والموارد البحرية تعتبر ثروات للدول يعتمد عليها اقتصاد الدول، إلا أن استثمار الموارد البشرية هو من أهم موارد الدول، وكم نهض اقتصاد دول معتمداً على مواردها البشرية فقط. لذا فإن من المهم استثمار طاقات الإنسان في جميع الأعمار في فترة المراهقة، والشباب، والشيخوخة، للمشاركة في عملية التنمية فلا يكون عنصراً مستهلكاً في المجتمع، بل عنصراً منتجاً.. ودمتم سالمين.