أن يلتزم الرئيس باراك أوباما أمن الدول العربية في الخليج، أمر أكثر من جيد. ما هو جيد أكثر من ذلك، حديث الرئيس الأميركي عن ضرورة مساهمة الاتفاق النووي مع إيران في دعم الاستقرار في المنطقة. هل هذا ممكن في ضوء النهج الإيراني الذي يقوم على استخدام إمكانات البلد من أجل خلق توترات في دول المنطقة لا أكثر؟
من إيجابيات قمة كامب ديفيد، التي ضمت قادة من دول مجلس التعاون والرئيس الأمريكي، الكلام الصريح عن السياسة الإيرانية في المنطقة. كل ما صدر عن القمة يتعارض، نظرياً وهذه السياسة. إيران تعارض حلاً سياسياً في اليمن. وإيران تعترض على انتهاء دور بشار الأسد. وإيران تعتبر أن عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ورقة من الأوراق التي تفيدها في المفاوضات المرتبطة بملفها النووي، وذلك بغض النظر عما يعاني منه لبنان الذي لا يزال من دون رأس منذ سنة. فوق ذلك كله، تتصرف إيران من منطلق أن العراق مستعمرة من مستعمراتها وأنها صاحبة القرار في بغداد.
لا يمكن أن يكون هناك أي اعتراض عربي أو خليجي على اتفاق في شأن الملف النووي بين المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، من جهة وإيران من جهة أخرى.
في النهاية، ماذا تستطيع إيران أن تفعل في حال حصولها على السلاح النووي. هل المشكلة في الملف النووي الإيراني، أم في ما تعتبره طهران حقاً من حقوقها. يتمثل هذا الحق القائم على وهم، أكثر من أي شيء آخر في لعب إيران دور القوة الإقليمية المهيمنة. إنها القوة القادرة على الاستثمار، إلى أبعد حدود، في الغرائز المذهبية.
كانت «عاصفة الحزم» الدليل الثالث على أن المجموعة العربية لا يمكن أن تقبل بفرض أمر واقع عليها. كان الدليل الأول التدخل العربي في البحرين لمنع إيران من وضع يدها على المملكة الصغيرة عن طريق الغرائز المذهبية. كان الوقوف مع ثورة الشعب المصري الذي أسقط حكم الإخوان المسلمين المدعوم أمريكياً وإيرانياً الدليل الثاني على وجود إرادة مستقلة تأخذ في الاعتبار المصالح العربية أولاً. هناك رغبة عربية في إعادة التوازن إلى الإقليم. وهذا أمر يستوجب أول ما يستوجب إنقاذ مصر من محنتها بدءاً بمساعدتها في التخلص من نظام الإخوان.
بعد ذلك، جاءت «عاصفة الحزم». لولا «عاصفة الحزم» لما كانت الإدارة الأمريكية أدركت أنه ما زال للعرب وزن في المنطقة وأن لديهم كلمة يقولونها. الأهم من ذلك، أكدت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان أن السيطرة الإيرانية على اليمن، عبر الحوثيين (أنصار الله) ليست قدراً.. لا مفر من الاستسلام له.
سعى باراك أوباما إلى رمي الكرة في الملعب العربي. من حقه التحذير من أن هناك مشاكل داخلية لدى الدول العربية. هذا واقع لا يمكن تجاوزه. ولكن هل صحيح أن العرب لم يفعلوا شيئاً من أجل مواجهة هذه المشاكل المعترف بها؟ ليس ذلك صحيحاً في أي شكل. كل الدول العربية المعنية بكلام أوباما أقدمت على إصلاحات معينة في مجالات محددة، بما في ذلك التصدي لظاهرة التطرف والإرهاب. أكثر من ذلك، هناك دول عربية عملت على تصحيح البرامج التربوية بما يتلاءم وثقافة الانفتاح بعيداً عن أي تزمت من أي نوع كان. ليست الدول الخليجية وحدها التي تصدت للإرهاب. لا يمكن في أي شكل تجاهل ما بذله المغرب من أجل نشر الاعتدال في الداخل وفي الجوار. كان الملك محمد السادس سباقاً في الدعوة إلى الاعتدال والابتعاد عن أي غلو.
كذلك، لا يمكن تجاهل ما فعله الأردن في هذا المجال. هناك سلسلة مبادرات وقف خلفها الملك عبدالله الثاني، بدءاً بـ «نداء عمّان» من أجل تأكيد أن الإسلام دين تسامح واعتراف بالآخر، كما هو دين حوار مع بقية الأديان.
من قصر في كل المجالات التي تساعد في نجاح الحرب على الإرهاب كانت الإدارة الأمريكية في عهد جورج بوش الابن وباراك أوباما. رفضت إدارة بوش الاعتراف بأنها سلمت العراق على صحن من فضة إلى إيران التي زادت شهيتها في المنطقة واستخدمت الملف النووي لتغطية سياساتها التوسعية.
لم يقدم بوش على أي خطوة يفهم منها أن هناك استيعاباً للخطر الإيراني الذي زاد وتمدد في كل الاتجاهات، بما في ذلك لبنان، بعد كل ما حصل في العراق ابتداء من العام 2003.
أما باراك أوباما، فلم يكتف بالتفرج على إيران تملأ الفراغ الناجم عن الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، بل نراه يكاد يصفق للمسؤولين الإيرانيين المتباهين بأنهم صاروا يحتلون أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
لم يظهر أوباما يوماً أي جدية من أي نوع في التعاطي مع النظام السوري الذي أخذ على عاتقه، بدعم إيراني مكشوف، القضاء على شعبه بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك السلاح الكيميائي.
الجدية الوحيدة التي أظهرها أوباما هي في التعاطي مع إيران والركض خلفها من أجل توقيع اتفاق نووي لا يهم في واقع الحال سوى إسرائيل. كل ما تبقى ليس هموماً أمريكية، بما في ذلك ظهور «داعش» الذي هو نتيجة من نتائج السياسة الإيرانية في المنطقة، خصوصاً في سوريا والعراق.
على الرغم من كل ذلك، ليس أمام العرب، خصوصاً دول مجلس التعاون، سوى التعاطي بإيجابية مع الطرح الأمريكي الذي لم يصل إلى حد توقيع معاهدة دفاع مع الأطراف المعنية بالتهديدات الإيرانية. مثل هذا التعاطي الإيجابي لا يعني في أي شكل التخلي عن الحذر. فالحذر واجب ضروري مع إدارة لا تستطيع الإجابة عن سؤال في غاية البساطة. ما الذي ستفعله إيران بالمبالغ المالية الضخمة التي يمكن أن تحصل عليها في حال توقيع اتفاق في شأن ملفها النووي ومباشرة رفع العقوبات الدولية عنها؟
هل ستستخدم مليارات الدولارات التي ستحصل عليها من أجل مكافحة الفقر في إيران.. أم ستستثمرها في مجال تأجيج الصراع المذهبي في دول المنطقة؟
ليس في استطاعة الإدارة الأميركية الحالية الإجابة عن مثل هذا السؤال. هذا عائد إلى سببين؛ الأول أن أوباما يعتبر التقارب مع إيران هدفاً بحد ذاته، من دون أخذ في الاعتبار الهموم العربية والاستقرار في الشرق الأوسط.
السبب الآخر أن الإدارة الأمريكية لا تعرف إيران. لا تعرف ولا تريد أن تعرف شيئاً عن الدور السلبي لإيران في المنطقة كلها.. ربما تعرف، كما يقول بعضهم، عن هذا الدور. تعرف أكثر من اللزوم وتريد ترك الشرق الأوسط أسير صراعاته بغض النظر عن الذي يغذيها من طهران!
- عن جريدة «المستقبل» اللبنانية