أولت الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام أهمية خاصة وفريدة من نوعها لمنزلة ومكانة الأم الصالحة التي رفعت من شأن وقدر واعتبار المرأة، وتتجلى الأهمية الكبرى لهذه المكانة والمنزلة أنها جاءت في وقت كان المجتمع ينظر فيه نظرة غير سليمة للمرأة، إلى الدرجة التي وصفها القرآن الكريم «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون». بل وكانت المرأة تباع وتشترى في الأسواق، وتنتقل في الإرث مثلها مثل الأشياء، إلى أن جاءت الأديان لترفع الظلم عن المرأة خاصة أنها تتهيأ لتكون أماً تربي الأجيال، فكان الخطاب الإلهي عبر النصوص المقدسة مشمولاً على أوامر مباشرة إلى ضرورة بر الوالدين بدءاً بالأم حيث جاء في «سفر الخروج 20: 12» «أكرم أباك وأمك لكي تطول أَيامكَ على الأَرْضِ التي يعطيكَ الرَّبُّ إِلهكَ»، وفي «تيطس 4:2»، يستخدم الكلمة اليونانية «فيليوتيكونس»، وتعني «محبة الأم».
أما الإسلام مسك ختام الأديان، فقد رفع من قدر وشأن المرأة ورفض المس بكرامتها واعتبارها الإنساني، وأولى أهمية خاصة لمكانتها كأم صالحة حيث حدد بأن رضاها عن أولادها من بعد رضا الله تعالى، وكما جاء في الآية الكريمة: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً»، وإن لهذا الاقتران والترادف المعنى العميق الذي يدركه ويعيه كل ابن بار أو بنت بارة بالأم، وإننا وعند التدبر فيما قاله الرسول الأكرم «ص»: «الجنة تحت أقدام الأمهات»، أو عندما قال لسائله: من أبر؟ فقال «ص»: «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك»، فإن استشفاف واستخلاص الأهمية التي منحها سيدنا محمد «ص» للأم نجده مجسداً في القرآن الكريم حيث يقول عز وجل: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير».
الدور التربوي والأخلاقي والإحساسي والنفسي العميق الذي تؤديه الأم حيال أطفالها وما تبذله من جهد وتعب وتضحية وإيثار يندر أن نجد له مثيلاً على وجه الإطلاق، يفرض نفسه بقوة في أعماق ووجدان وضمير كل إنسان، بحيث إن ما تقوم به الأم ينعكس ويتجسد ويتبلور في التكوين الأخلاقي والنفسي والاعتباري لشخصية كل إنسان وعلى الرغم من أهمية ومكانة الأم لدى مختلف شعوب وأمم العالم، لكن أهميته الاعتبارية لدى أتباع الديانات السماوية النابع أساساً من الأهمية التي أولتها هذه الأديان لها، يعتبر مميزاً وذا سمات خاصة ولهذا فإننا نجد أن تعلق المؤمنين بأمهاتهم وبرهم لهن يفوق نظائرهم في الخلق من شتى الشعوب والأمم.
الشاعر حافظ إبراهيم التفت إلى أهمية ومكانة الأم، وترجم ذلك في بيت شعري معبر جداً قال فيه «الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعباً طيب ا?عراق»، حيث اشترط الشاعر قضية ضرورة الإعداد لها، والتي تنبع بالأساس مما أكدته الأديان بشأنها، حيث إن الأم فيما لو تسنى أن يجتمع العطف والحنان والأمومة لديها إلى جانب العلم والمعرفة، فإنها تغدو بحق مدرسة لبناء وإعداد الشعوب. كما أن نابليون بونابرت أيضاً له قول بليغ ومأثور بشأن الأم قال فيه «الأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بشمالها»، وخلاصة القول، إن مكانة ومنزلة الأم في الأديان السماوية تجسد حقيقة الدور المهم والاستثنائي الذي تضطلع به حيال أسرتها ومجتمعها وأمتها.
* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان