في وقت أعاد فيه الإعلام الجديد تشكيلات الساحة الإعلامية في الوطن العربي، ووفر أرضاً خصبة قائمة على إتاحة الفرص الكبيرة للتعبير والحوار المتبادل والمشاركة بالرأي، ولاسيما إقامة قنوات إعلامية مختلفة الأهداف والبرامج تبث من على الفضاء الرقمي تحت مظلة أو شعار ديمقراطية الاتصال، أصبحنا نعيش في بيئة جيواستراتيجية مضطربة، نتاج التغيرات الإعلامية الجديدة والمعلوماتية، والتقنية قوية التأثير على عناصر المجتمع المدني.
فإلى جانب ما قدمه إعلام «السوشال ميديا»، أي الجديد من ثورة معلوماتية هائلة وتقنية متقدمة ومتطورة، إلا أنه يبقى إعلاماً يتصف بأنه «سلاح ذو حدين». فكما ذكر الدكتور خالد الجابر أستاذ الاتصال السياسي في كتابه «وسائل الإعلام الاجتماعية في العالم العربي»، مسلطاً الأضواء على أنماط التواصل الجماهيري واتجاهات الرأي العام، متطرقاً إلى الاستخدامات السلبية التي تتم على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مفرط وغير مسؤول من قبل بعض المستخدمين للمنصات «السوشالية»، والذي كان ولا يزال لهم دور بارز في بث وتكوين أفكار جديدة في المجتمعات المدنية، تؤدي إلى خلق زعزعة أمنية، يصعب السيطرة عليها، لأنها تبث من فضاء إعلامي جديد تقوي نفوذه فكرة ديمقراطية الاتصال وحرية التعبير عن الرأي، مؤكداً في كتابه أن «خطورة الاستخدام السوشالي السيء حدثت نتيجة الأحداث والمتغيرات السياسية الراهنة»، التي تسببت كما ذكر، في «الاصطفاف الأيديولوجي والتخندق الطائفي والديني والمذهبي، ولاسيما سهولة وسرعة نشر الأخبار والمعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي كنشر الأشاعات والفتن وترويجها وأيضاً انتشار الجريمة و قضايا الفساد على المنصة السوشالية».
مما لا شك فيه أن السنوات الخمس الماضية الملقبة بـ «الربيع العربي» مكنت الاعلام الجديد من مجتمعاتنا العربية والخليجية وجعلته متميزاً ومصدراً أكثر من وسائل الإعلام التقليدية، وأخرجت لنا قنوات تلفويونية رقمية مصغرة على «يوتيوب»، ومدونات على «الفيسبوك» و«الانستغرام» وأخبار عاجلة ترصد على «تويتر». وبين الصواب والخطأ من كل ذلك، أصبحنا إلى يومنا هذا نعيش في موقف متشابك ومعقد ومتداخل بسبب ما نتلقاه ونتعرض له على منصات مواقع الإعلام الاجتماعي. فهذه الثورة المعلوماتية الإعلامية الجديدة، سريعة ومستمرة التطور، قدمت لنا تقنية ومساحة مفتوحة نبث من خلالها ما تشتهي رياحنا في مختلف الاتجاهات والتخصصات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، دون أن يكون هناك قانون متكامل يحكم البث الإعلامي الجديد على «السوشال ميديا»، كونه إعلاماً متجدداً ومتطوراً على مدار الساعة.
وفي الواقع، أرى أنه في الوقت الذي أصبحنا فيه نتعرض لتشابك اجتماعي معقد من جهة، وإلى جرائم إلكترونية مختلفة سواء من تلقي أخبار كاذبة أو محرضة أو جرائم أخرى مختلفة كالابتزاز وقضايا الفساد من جهة أخرى، ليس من العقل والمنطق أن نعلق كل تلك المصائب والأزمات على المنصة السوشالية، فمواقع التواصل الاجتماعي لم تفرض علينا طريقة استخدام محدد ولم يجبرنا الاتصال الحديث على الجريمة أو الاستخدام السيء، فنحن من يقع على عاتقنا كل الأزمات الناتجة من التواصل الجماهيري السوشالي لأننا المستخدم والمستهلك الوحيد لها.