يحكى أن أحد الأوفياء أراد مفاجأة زميلٍ له بتقديم هدية إليه، ولم يكن هذا الوفي ميسوراً، فاقترض ودبر المال وسعى لاستكمال المبلغ اللازم لشراء هدية ذات قيمة، وفي الوقت ذاته قصر بعض الشيء على ابنته التي كانت قد طلبت منه حينها مبلغاً من المال، إلا أنه انطلق يبحث عن الهدية المناسبة والملائمة لزميله، وبالفعل وجد الهدية فاشتراها بثمن معتبر متجاوزاً حدود إمكانياته، وحين راح يقدمها رآه البعض قبل تسليمها، فراحوا يعيبون على الهدية الفاخرة المتميزة كونها تقدّم بغير تغليف متقن، متناسين فكرة الهدية ومتناسين البادرة والجهد والبذل ومدى المعاناة وراحوا - بنظرة سطحية ظالمة - يركزون على القشرة الخارجية للهدية ذات المعنى العميق!
سردي لحكاية «الهدية وتغليفها» يجيء في سياق توضيح بشأن تعليق متسرع لصحيفة محلية على إنجاز مشروع لإحدى الوزارات «أمس الأول»، فكما نعلم كانت هناك مدرسة في إحدى القرى، قسا عليها الزمن، صدر قرار رسمي حكيم بحصر مستلزماتها واستكمال نواقصها قبل بدء العام الدراسي الجديد، بمعنى أنه «أمامكم 30 يوماً لاستكمال الإنجاز»، وبالفعل.. فقد قبلت الوزارة هذه المهمة وشمرت عن ساعديها كونها الوزارة المعنية بالتنفيذ فهي ذراع البناء للحكومة.
في اليوم التالي للتوجيه الرسمي الصادر، بدأ مقاول الطوارئ العمل الفوري على الأرض من خلال إزالة الأسقف القديمة، وفي اليوم ذاته بدأ المعنيون بالوزارة في إجراء الاتصالات لحسم موضوع مناقصة العمل وتخصيص الميزانية، وتوفير المعدات والمستلزمات، وبكل همة ونشاط انطلق فريق العمل ليشكل ما يشبه خلية النحل، وبعد فترة لم تتجاوز الشهر الواحد، انتهت المهلة المحددة وكسبت الوزارة الرهان، حيث نجحت الإدارة المعنية بالوزارة من خلال المقاول الذي تم تعيينه من استكمال العمل في مستلزمات الترميم ولوازم الصيانة لتلك المدرسة.
في اليوم الأول للعودة إلى المدارس، كان منظر طالبات تلك المدرسة وهن رافعات أعلام المملكة قد أثلج صدر كل عامل وكل مهندس بالمشروع، وكأن بالناظر إليهن يسمعهن يرددن «هذه مدرسة مختلفة عن تلك التي غادرناها العام الماضي»!
فرجاء إلى القلم المتعجل.. لا «تعكنن» بهجة الطالبات بسطورك المتسرعة، ونظراً لكوني شاهد عيان لمختلف مراحل العمل في هذا المشروع، يتعين عليّ أن أنقل - بكل أمانة - المشهد الذي تكرر طوال فترات الإنجاز، كان هناك عمال ومسؤولون ومهندسون تتم مشاهدتهم كل يوم بمواقع العمل وقد التصقت ملابسهم على أجسادهم بسبب «فعايل القيظ» والحر اللافح والرطوبة الخانقة لدرجة أن اثنين من العمال أصيبا بحالة إعياء جراء حرارة الجو المرتفعة وتم إسعافهما على الفور.
ولو شاء البعض أن يطلع على بعض معالم خفايا قصة هذا المشروع، فليقرأ المشاهد التالية:
إن اتمام صيانة المدرسة وعودة الطالبات إلى مدرستهن بشكلها الجديد يعد بحد ذاته قصة نجاح - بلا جدال - ستسجل بأحرف من نور في سجلات من نفذوا مشروع صيانة وترميم المدرسة، وباختصار، فإنه أثناء فترة المهلة التي لم تتجاوز 30 يوماً فقد تم استبدال كافة أسقف المدرسة، واستبدال كافة التوصيلات الكهربائية بالمدرسة مع استبدال الإضاءة العادية بإضاءة موفرة للطاقة، ومعالجة كافة التشققات والتصدعات بالمبنى، كما أن بعض مواد الصيانة تم استيرادها من السعودية مما تطلب اتصالات ومتابعات لم تتسبب في تأخير يذكر، إذ تمكن فريق العمل من الإيفاء بالبرنامج الزمني الذي تم وضعه للمشروع ليمكن معه الانتهاء من الأعمال في الوقت المقرر مع بدء عودة الطالبات إلى المدرسة.
إن عملاً مثل هذا عادة ما يتم إنجازه في فترة لا تقل عن الشهرين والنصف، بينما مقاول هذا المشروع تمكن من الإنجاز في فترة الشهر بالتمام من خلال تجنيد العمالة الكافية على مدار 3 نوبات من العمل المتواصل الذي لم يتوقف طوال 24 ساعة كل يوم.
أظهر مقاول المشروع نجاحاً وقدرة على الاستجابة لطلبات الصيانة المستعجلة وأعمال الترميم الطارئة.
يعتبر الإنجاز ذا قيمة من الناحية الهندسية بسبب عدم وجود سجل جاهز لتاريخ صيانة المدرسة.
خلال إجازة عيد الأضحى ضحى أغلب المهندسين المعنيين - في بادرة شخصية منهم - بأوقاتهم للتواجد والبقاء بجانب العمال بدل تمضية صبيحة العيد برفقة أهاليهم.
الكل سارع إلى قبول تحدي المهمة الوطنية التي أوكلت إليهم، وباشر الجميع العمل كل من موقعه دون كلل أو ملل.
كان هناك محفز دائم على العمل المتواصل والمتكامل تمثل في المتابعة المستمرة والجولات الميدانية والزيارات التفقدية لموقع العمل من قبل كل من وكيل الوزارة، ووكيل الوزارة بالإنابة، ومدير الإدارة المختصة.
سخرت الوزارة كامل طاقاتها البشرية في كل الإدارات المعنية مع تجنيد كافة المهندسين المختصين لهذه المهمة.
كل تلك الأمور، وكل ذلك الأداء المشرّف، وذلك الإنجاز الزمني حجبته غمامة التسرع وعدم الإنصاف، ولم يكن لدى المحرر الوقت الكافي لزيارة الموقع من الداخل ليكحل عينه بالمراحل التي أنجزت من العمل الطويل والجبار، ولم تتضح لكاتب السطور إلا مجرد رقعة بسيطة على الجدار الخارجي لم يتم صبغها وبضعة أحجار متبعثرة قرب مدخل المدرسة!.. فصدر قرار الحبكة.. أحضر الكاميرا.. سجل عندك وصوّر هذه «الخبطة الصحافية»!
عجبي من هذا التقييم الأعور الذي شاهد القشور دون تمعن البذور.. شاهدَ الظاهر دون تقصي العمل الباطن العامر بالإخلاص والمليء بالإنجاز!
هل كان من المفترض على المقاول - وهو في سباق مع الزمن - أن يركز أولاً على صباغة جدار خارجي لمبنى تعليمي فيترك صيانة الفصول وترميم الجدران والعناية بالممرات كمرحلة أخيرة من العمل مثلاً؟!