نحو أربعة عشر عاماً تفصلنا من يومنا هذا عن تاريخ تحقيق رؤية القيادة الحكيمة للبحرين في 2030، ففي واقعنا هذا -والذي بات فيه الاقتصاد المدعوم بالنفط أقرب من القصص التاريخية- صار اقتصاد العالم مبنياً على التفوق في المجالات الخدماتية واقتصاديات المعرفة. إن التغيير المطرد في تقنية المعلومات والاتصالات والتطور الذي نشهده كل يوم كله يدل على مؤشر واحد ألا وهو أن المعرفة والمهارات والكفايات التي نكتسبها اليوم قد لا يكون لها مكان في اقتصاد مبني على التطور الهائل في تقنية المعلومات والاتصالات.
عالمنا اليوم هو مجرد محفل لمجموعة كبيرة من الخدمات السحابية المبنية على الذكاء الصناعي الذي يتميز بسرعته الهائلة. فمحركات البحث -كغوغل- صارت هي مرجعنا في اتخاذ القرارات إن لم تكن تتخذ القرار عوضاً عنا، فكم مرة بحثت عن معلومة ما على محرك البحث لتتخذ القرار بناءً على ناتج البحث، وكم مرة اعتمدت أن يكون الناتج الأول هو الجواب الأكثر صواباً. فكما قدرتنا في اتخاذ القرار صارت مبنية على نواتج محركات البحث، صارت قدرتنا على حفظ الأرقام والمعلومات محدودة جداً إن لم تكن قد تلاشت تماماً. فعلى عكس الماضي، تسببت الهواتف الذكية بقدراتها الحاسوبية والذاكرة الكبيرة من الحد من قدرة الإنسان على حفظ معلومات بدائية مثل أرقام الهواتف والعناوين، صورنا وذكرياتنا صار مصيرها مجرد التخزين على مختلف برامج التواصل الاجتماعي مثل «إنستغرام» و«سناب شات».
فكما تدل هذه المؤشرات على الدور الذي سوف تحتله تقنيات المعلومات في اقتصاديات المستقبل، فهي تؤكد على التغيير الذي سوف يشهده عالم العمل والتوظيف والتنمية البشرية، فمصير العالم صار مرتبطاً بلا شك بالتطور المطرد والهائل في مجالات تقنية المعلومات والاتصالات. وعند الأخذ بالاعتبار بنظريات تطور الحواسب الآلية كقانون مورز، فإن مجمل المهارات التي اكتسبناها اليوم قد لا يكون لها أية قيمة بعد خمس سنوات، إلا أن ذلك كله لا يدل على تلاشي الحاجة إلى العنصر البشري في الوظائف، بل عكس ذلك كله، فالوظائف في المستقبل ستكون مرتبطة بقدر كبير بالمهارات الحياتية أو الناعمة «Soft Skills».
هنا يكمن التحدي الحقيقي للتعليم والتعلم في مملكة البحرين، فالبرامج والمؤهلات المطروحة اليوم لا بد أن تتميز بقدرتها العالية على محاكاة التغير في متطلبات سوق العمل والتنبؤ بما يحتاجه طالب اليوم حين تخرجه بعد مرور أربع سنوات. كما من الضروري أن يكتسب الطالب خلال مراحل دراسته ما سوف يجهزه للعطاء في عالم المستقبل، فتعليم اليوم هو بلا شك اقتصاد الغد.
* باحث في مجالات
إنترنت المستقبل - جامعة البحرين