كان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قد اختار منذ توليه الخلافة الإسلامية، الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ورضي الله عنه، ليكون المستشار الأول أثناء حكمه كخليفة للمسلمين، وعندما كان يسافر يقوم بتعيينه خلفاً له لإعجابه بفقهه وحكمته، وكان يقول دائماً «أقضانا علي»، وكان عمر بن الخطاب يقول أيضاً «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن»، إذ كان عمر يعتبر علي بن أبي طالب في عهده، عالم المدينة، وعبدالله بن مسعود عالم الكوفة، أما عالم الشام فكان أبو الدرداء، وإذا التقى العلماء الثلاثة، كان الإثنان يسألان علي، ولا يسألهما هو رضي الله عنهم جميعاً.
كان علي بن أبي طالب إلى جانب عمر بن الخطاب أثناء حكمه يشد من أزره، ولا يبخل عليه برأيه، ويجتهد معه في أمور الدولة الإسلامية، وفي الأمور القضائية والإدارية والسياسية؟ ولنبدأ بالأمور القضائية التي تناولها علي بن أبي طالب في أثناء حكم عمر بن الخطاب:
*إمرأة تعتريها نوبات من الجنون: حكم عمر برجم امرأة مارست الزنى، فذهب الجمع ليرجموها.. فالتقى بهم علي بن أبي طالب، فسألهم، «من هذه؟»، أجابوا «إمرأة زنت فأمر عمر برجمها»، لكن علي انتزعها من بين أيديهم وردهم. رجع الناس إلى عمر بن الخطاب وأخبروه أن علي بن أبي طالب رفض رجمها، أجاب عمر «ما فعل علي هذا إلا لشيء علمه»، فأرسل عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب، ليأتي له، جاء علي وهو شبه غاضب، فسأله عمر «مالك يا علي رددت هؤلاء؟»، فرد علي «أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يشفى». رد عمر: «بلى»، فقال علي: «هذه المرأة مجنونة، وقد أتاها صاحبها دون أن تعلم»، فقبل عمر برأي علي رضي الله عنهما، ولم يرجم المرأة لأنه لم يكن يعلم أنها مجنونة.
*حكم عمر بن الخطاب على سيدة بالرجم لأنها زنت واعترفت بذلك، وكانت حاملاً، لكن علي أبي طالب اعترض على حكمه قائلاً: «إن لك سلطاناً عليها، لكن ليس لك سلطان على ما في بطنها»، أي «يجب أن تنجب ابنها أولاً ثم ارجمها»، وسأله علي بن أبي طالب إذا كان قد نهرها أو أخافها وهو يحاسبها كقاضٍ، رد عمر بن الخطاب بأنه «قد فعل ذلك». أجاب علي، «ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا حد على معترف بعد بلاء، أنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار لها»»، فخلى عمر سبيل المرأة، ثم قال: «عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر».
ولا يدل هذا الحديث على عجز عمر بن الخطاب عن القضاء، وإنما يدل على إيمانه بالمشاورة مع من لديه علم غزير في القضاء الإسلامي مثل علي بن أبي طالب والتسليم برأيه، وهو يعلم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا مدينة العلم وعلي بابها»، أي أنه تعلم أحكام الدين الإسلامي والأمور التشريعية والفقهية على يد الرسول الكريم.
فأي تقدير هذا وإعزاز أكثر من ذلك من الخليفة عمر بن الخطاب لرفيق دربه ومستشاره الأول على بن أبي طالب رضي الله عنهما. يتبع.