أعلنت شركة «أوراكل Oracle» عملاقة تقنية المعلومات مؤخراً اعتزامها ضخ 1.4 مليار دولار خلال الثلاث سنوات القادمة لتعزيز تعليم علوم الحاسوب في منطقة الاتحاد الأوروبي. تأتي هذه المبادرة ضمن خطة «أوراكل» العالمية للتسريع من محو الأمية الرقمية حول العالم. هذا الاهتمام من شركة «أوراكل» وغيرها من الشركات والحكومات يأتي للحد من الفجوة الرقمية وإيماناً بقدرة تقنية المعلومات في زيادة القدرة التنافسية وتحفيز الابتكار. في البحرين، تنفذ وزارة التربية والتعليم مشروع «التمكين الرقمي في التعليم» والذي يطمح بتوفير إمكانات متطورة في مجالات دمج التقنية في التعليم واستخدامها للارتقاء بطرق التعليم والتعلم.
باتت كلمة الأمية كلمة نسبية، حيث تغير مفهومها ومتطلباتها عبر العصور، واليوم صارت لا تقتصر على مهارات القراءة والكتابة التقليدية بل تطور مفهومها وارتبط ارتباطاً شديداً بتقنية المعلومات. حتى تعريف الأمية الرقمية ارتبط بالتطور الهائل للمهارات البشرية حيث يمكن قياس الأمية الرقمية بقدرة الشخص على الحصول على المعرفة الرقمية وإنتاجها وإرسالها أو التواصل بها. إن الكم الهائل من المعلومات التي يمكن الوصول إليه بكل سهولة ويسر، يُحتم علينا نوع آخر من المهارات. يتطلب منا هذا التقدم الهائل في تقنية المعلومات والاتصالات القدرة على استخدام الهواتف الذكية، والقدرة على قياس مدى مصداقية موقع ما أو حتى تغريده، والقدرة على إنتاج أو إعادة نشر موضوع ما على صفحات الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي. وتشجع هذه المهارات الرقمية بشكل عام على تقصي المعرفة والتحقق منها وتسهل الابتكار والإبداع.
هذه المهارات التي يكتسبها أطفال اليوم بصورة لا شعورية هي مهارات لا يمكن تجاهلها فهي بالطبع مهارات متقدمة جداً لا يمكن تكوينها إلا في المجتمعات التي تستخدم تقنية المعلومات في حياتها اليومية. المواليد الرقميون هم مواليد هذا الجيل الذي نشأ وتربى على استخدام هذه التقنيات منذ نعومة أظافره. هذا النشء الرقمي تربى على استسقاء الحقائق والمعلومات من الإنترنت وتعود على الشراء الإكتروني ويجد سعادته في الألعاب الإلكترونية وتكون صداقاته من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعية ومنهم من تطغى مهاراته الرقمية على باقي المهارات الأخرى، وصار استخدام الهاتف في الصفوف الدراسية ليس سبيل الطالب لإضاعة الوقت بل سبيله للوصول للمعرفة والتحقق من المعلومات.
لا وسيلة طبعاً لصد هذا المد الرقمي بل العكس صحيح، فعلينا أن نتزود بكل المهارات الحديثة لتعلم ركوب هذا المد والخوض فيه بكل براعة. هذا يحتم على كل المجتمع ومؤسساته وبالأخص مؤسسات التعليم والتدريب لتطوير برامجها لمحو الأمية الرقمية وجسر الفجوة بين أبناء هذا الجيل والأجيال السابقة وبيننا وبين التطور الرقمي الهائل الذي نعاصره والذي سوف ندركه في المستقبل. فكما حتم علينا التطور الرقمي محو الأمية الرقمية، على الجامعات وبحوثها العلمية أن تكون نبراساً للابتكار وقادرةً على تجهيز المتعلمين لما يخفيه لهم المستقبل بين طياته والتنبؤ بصورة العالم في المستقبل وتوقع متطلبات الأمية القادمة والاستعداد لها.
* باحث في مجالات إنترنت المستقبل – جامعة البحرين