مذ أن تأسَّست وتشكَّلت الدول الكبرى بُعيد الحرب العالمية الثانية وهي تنتهج ذات السياسة المشحونة بالغطرسة ضد كل الدول النامية والضعيفة، ولم ولن تُغيِّر الإدارات السياسية الغربية سياساتها تجاه الشعوب والدول الأخرى -خصوصاً دول الشرق الأوسط- بسبب معرفتها التامة لحجم قوتها وضعف قوتنا، ولهذا فهي تتمادى على طوال مسيرتها في إخضاع الدول وإذلالها وسرقتها وابتزازها.

كلَّما قلنا بأن الدول الكبرى ليس لديها أصدقاء كما ليس لها أعداء وإنما لديها مصالح دائمة، طالعتنا وحدثتنا نشرات الأخبار العربية والإسلامية عندنا بأننا أصدقاء لتلكم الدولة العظيمة، أمَّا هم فيقولون عكس ما نقول. فلربما هم يأتوننا ويمدحون دولنا وإذا رجعوا إلى ديارهم شتمونا واتهمونا ووصفونا بأبشع الأوصاف وأقساها. نحن نقول هنا بأن هذه السياسة المُنتهَجَة من طرف الدول العظمى هي سياسة ثابتة لديها كلها دون استثناء، ومن يقول عكس ذلك فهو لا يفقه في السياسة أي شيء.

إن كافة الدول العظمى تبتز العرب وتعايرهم وتهينهم لأسباب هي تدركها جيداً، وفي المقابل فهي تكيل لنا بألف مكيال دون أن يملأ التراب عيونها وقلبها، فهم -على سبيل المثال- يشتمون ويعادون دولاً عدوة للعرب، لكنهم من تحت الطاولة يقيمون حفلات محبة وصداقة معها كلما دعت الحاجة لإهانتنا وإذلالنا، فالبعض منَّا يعرف هذا الأمر جيداً ومع ذلك يُصر على تجاهله وكسب ودّ الدول التي تتلذذ بإهانتنا. كل التقارير الأجنبية التي تصدر من المطابخ المخابراتية للدول الكبرى تؤكد على أن أصدقاء الشرق الأوسط ينتهكون حقوق شعوبهم، وسواء صحَّت هذه الروايات أم لا، فإنهم في المقابل حين يأتون كي يحجّون عندنا في زياراتهم الرسمية يؤكدون تمسكهم بعلاقاتهم الذهبية معنا، وأننا الرقم الصعب في الصداقات، لكنهم ما أن يعودوا لديارهم حتى يُبدوا عكس ما أظهروه. هذه السياسة المنافقة لم ولن تتغير لدول نستطيع أن نشبِّهها «بالسوبر ماركت»، فكل ما يهمها هو إرضاء العملاء فقط.

إذا أردنا أن نكون رقماً صعباً في المعادلات السياسية الكبيرة -وهذا الأمر بمقدورنا- فما علينا سوى أن نطوِّر من أداء دولنا ونرفع مستوى سقف الحريات عندنا ونعتمد بشكل مباشر على البناء والصناعة والزراعة والإنتاج والاستثمار في الإنسان والتعليم والصحة. حين تتحقق كل هذه المهمات الرئيسة بنجاح وصدق وإخلاص فإننا لن نحتاج لدول ترانا بعينها اليسرى صديقة لها وبعينها اليمنى نصير من أشد الأعداء، في الوقت الذي ننظر إليها نحن طوال الدرب على أنها دول الحب والسكينة والعطاء. إذا لم نصحح نظرتنا لأنفسنا فلا نطالب الآخر أن يرانا بعين الرضا.