عندما فكرت منذ فترة وأعددت العدة لإصدار سلسلة من مقالات "مسير الحياة" كنت حينها على يقين بأنها ستكون سنداً لي في أيام الحياة، وستكون كلماتها التي كتبتها بمشاعري ومازلت أكتبها، ملامح جميلة في شخصيات الأجيال، لأنها لا تعني ومضات أيامي، بقدر ما تعني مواقف حياة ومشاعر وأحاسيس نتعرض لها جميعاً في حياتنا. وبالرغم من تأخر تنفيذ المشروع، إلا أنني على يقين بأن التأخير لهو درس من دروس الحياة، يعطيني الأمل في المضي قدماً في أفكار جديدة وبأسلوب جديد كلما تقدمت بي أيام العمر. اليوم أتكلم عن "إدارة الحياة" وأسماها الوزير الأديب غازي القصيبي رحمه الله "حياة في الإدارة" ركّز فيها على مواقف مرّت عليه أثناء مناصبه القيادية، ولكنها في الوقت ذاته مواقف حياتية يستلهم منها كل من يقرأ سطورها دروساً بليغة في إدارة مواقف الحياة كلها. فإنما الحياة هي أسلوب إداري يجب أن نفقه كيف ننفذه حتى لا يعترينا الفشل في أحيان كثيرة، أو نتأخر عن إنجاز الأثر الإيجابي.

يقول غازي القصيبي: لا أؤمن بالحلول العاجلة، لا أؤمن أن للنجاح أي سبيل سوى التخطيط الهادئ والتنفيذ الصحيح. إذا كان لابد من استخدام تعبير بلى من كثرة الاستخدام، كنت أؤمن أن الأسلوب الأمثل هو "الإدارة بالأهداف"، وجدتُ نفسي مدفوعاً دفعاً إلى أسلوب آخر "الإدارة بالأزمات"". فعندما تتأخر عن إنجازك للحلول التي وثقتها وقررت العمل عليها بأهداف مرسومة وهي تعالج عدة مشكلات مرت عليك، فإنما أنت بذلك قد أوقعت نفسك في "أزمة" لربما يُطال تأثيرها على المحيط الذي تعيشه، بخلاف إن استطعت أن تُدير المشكلة إدارة مُثلى محدودة الزمن تُعالج فيها المشكلة من أساسها وتضع لها حلاً جذرياً تضمن استدامة البيئة الصحيحة للنجاح، بإدارة صحيحة للأهداف، وليس (بترقيع مؤقت) لربما يؤثر سلباً على محيط الإنجاز بالأثر الجميل. ينقصنا في حياتنا التفكير في رؤية خصبة نحقق من خلالها التغيير الشامل في مناحي أعمارنا، ونجعلها أعماراً تعيش من أجل تحقيق الأهداف والغايات، وتُنفذ المشروعات ذات الأثر المستدام، خطتها ألا تمر سنة إلا وقد أضافت إلى أعمارها أعماراً مُنجزة بمشروعات جديدة ذات أثر فاعل في الحياة، هنا تجد نفسك أنك أدرت حياتك بصورة أفضل، وتُدرك أنه باستطاعتك أن تتقدم بقوّة وشجاعة وتُحسن من أسلوبك الحياتي.

إدارتنا للحياة هو مبعث الراحة النفسية التي هي نتاج حسن استقبالنا وإدارتنا "للرسائل الربانية" التي تأتينا في مسير الحياة، فأنا مؤمن أن كل موقف وكل حدث إنما هو رسالة ربانية من المولى الكريم الذي أحبك أن تكون في موقف الابتلاء من أجل أن يشتد عودك من جديد وإن كبرت، ومن أجل مراجعة العديد من الفصول التي مرت عليك، وتراجع أسلوب تعاملك مع الحياة وطريقة إدارتك للمواقف. الرسائل الربانية إنما هي توجيه وتمكين وحذر وتغيير إن أحسنت استقبالها، فهي تعطيك فرصة لكي تتغير في كل يوم، حتى لا تقع في ظل "من استوى يوماه فهو مغبون" كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. الرسائل إنما هي فرصة سانحة من أجل أن تنهض مُجدداً من أثر المواقف الصادمة التي قد تعتريك، ومن أثر شخصيات سلبية أماطت اللثام عن شخصيتها المُتناقضة، ومن أجل أن تكون مُجدداً في محطة جميلة أخرى تُعطيك النفس العميق لكي تُبرز قدراتك التي أيقنت أنها يجب أن تُمكن في الحياة، حتى الرمق الأخير من عمر الإنسان.

عندما تُحسن إدارة حياتك بمشاعرها ومواقفها وإنجازتها وأوقاتها، فإنما أنت حينها تسمح لنفسك بالرحيل من عدة أوجاع سلبية داهمتك لفترات معينة من حياتك، وتسمح برحيل العديد من المواقف التي تبين لك أنها كانت فيصل التغيير الذي قررت من بعده أن تكون في منهج آخر للحياة، لإيمانك العميق أن كل يوم من أنفاسك، إنما هو منهج جديد للنفس يجب أن تسير عليه لتقتنص فرص الإجاز والأثر الإيجابي الجميل. عندما تسمح لنفسك بالرحيل من بعض المواقف التي اكتفيت منها، فإنك حينها على موعد مُتجدد مع حياة أجمل ومواقف أعمق بأثرها وإنجازها، حينها عليك الحذر من التردد والتسويف، بل خذ قرارك وأنت تتنفس الحياة الجميلة، وتتنفس العطاء، وتتذوق الجمال الذي يُنسيك العوائق، التي تجدد في نفسك شكر المولى سبحانه وتعالى الذي بعث إليك برسالة ربانية جميلة، تُجدد فيها أنفاسك، وتعود إلى نفسك من جديد مُلهماً في حُسن الأثر كما كنت وستكون.

ومضة أمل

شكرًا لأولئك الذين أهدونا رسالة امتنان ومودة، أحسنوا فيها صنع أثرهم في حياتنا، واستذكروا معنا نعم المولى الكريم، ساهمت في تعزيز معاني الشكر والإنابة للخالق الكريم.