شهدت مملكة البحرين بالأمس عرساً ديمقراطياً جديداً بعد أن وصلت إلى مرحلة كافية من النضج في هذه التجربة البرلمانية، فكلنا لبيّنا الواجب ورشّحنا من رشّحنا بدافع المواطنة الخالصة وحب الوطن.

إن التجربة البرلمانية جاءت كجزء من المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وانعكاسات هذا المشروع جاءت واضحة سواء في الجانب التعليمي أو الصحي أو الإسكاني أو حتى الاقتصادي، ولكن أين هو الجانب الثقافي من برامج برلمانيي المستقبل؟ وما هو سبب غياب المثقفين من أهل الأدب والشعر والمسرح والرواية والفنون التشكيلية عن قائمة البرلمانيين في البرلمان الجديد؟

الجدير بالذكر أن المشروع الإصلاحي منذ البداية اتسمت خطواته الأولى بالالتفات نحو المثقفين والاهتمام بالحركة الثقافية واستقطاب حتى من كانوا مبعدين عن أرض الوطن لأسباب متعددة، فدستور مملكة البحرين يحظى بمكانة عالية بين دول الخليج والدول العربية وحتى على مستوى العالم بتوفير مناخ الحرية في مجال الإعلام والصحافة والكتابة والنشر، وهذه كلها أدوات جاءت خدمة للحركة الثقافية وانطلاقها، وأن جلالة الملك حمد حفظه الله ورعاه يولّي دائماً الحركة الثقافية والمثقفين مكانة كبيرة بدأت تأتي ثمارها على مختلف الصعد.

ومن أمثلة هذه الرعاية الملكية الكريمة للثقافة والمثقفين أن أسرة الأدباء والكتاب كان لها نصيب من هذا العطاء السخي حيث تبرع جلالته بمبنى خاص كمقر دائم للأسرة تمارس فيه أنشطتها الأدبية والثقافية، الى جانب أنه عندما خرجت البحرين من أزمة 2011 فإن أول ما اهتمت به هو الثقافة ودورها في تعزيز مكانة البحرين، حيث استضافت أسرة الأدباء والكتاب عام 2012 اجتماعات المؤتمر العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب الـ 25، لتثبت للعالم بأنها بلد العلم والثقافة والحرية الفكرية. هذا بالإضافة الى الإنجازات السابقة كبناء مركز عيسى الثقافي، والترخيص للكثير من الجمعيات الأهلية الثقافية كي تُمارس دورها في الحراك الثقافي. وامتد هذا الاهتمام بإنشاء وزارة للثقافة والتي تحولت بعد ذلك الى هيئة البحرين للثقافة والآثار حالياً برئاسة معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة.

نحن نلبي الثقافة على ضوء المشروع الإصلاحي، وقضية عدم الاهتمام بالجانب الثقافي في قبة البرلمان تفرض نفسها بنفسها، ليس بسبب اهتماماتي وإنما انطلاقاً من أهميتها، فالمجتمع متى ما ازداد وعيه الثقافي زاد وعيه بهويته ووطنية وتراثه. ولكن للأسف عند اطلاعي على البرامج الثقافية للمرشحين أثناء الفترة الانتخابية وجدت برامجهم تخلو من الاهتمام بالجانب الثقافي، ولا أدري لماذا؟!

إن الثقافة هي مصطلح شامل لجميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والسياسية، ولابد أن هناك أسباباً كثيرة أبعدت المثقف فنأى بنفسه عن صخب المشاكل والهموم والتحديات الاجتماعية والسياسية التي يفرضها الاهتمام بالقضايا العامة.

وبما أن المناخ الديمقراطي والأمن والأمان والتعايش الرائع والتمازج والتسامح الجميل بين حضارات وثقافات عديدة أساس التعزير والتطور الثقافي وهذا ما يتميز به الشعب والمجتمع البحريني، كل هذه الدواعي تدفع بعجلة التنمية الثقافية، فهي شريك حقيقي للتطور والازدهار، مما يستدعي أن يكون لها اهتمام ودعم ليس من الجانب المادي فحسب، بل من الجانب المعنوي والإعلامي وتطوير عمل المؤسسات الثقافية. فدعم الثقافة يأتي نتيجة لدعم الشباب والمرأة والإعلام والتعليم كأول خطوة للتنمية الثقافية لوضع رؤية جديدة لتطوير العملية التعليمية ومنح الطالب مساحة من الحرية الفكرية والإبداع والابتكار فهي من الأسس والركائز للفعل الحقيقي الثقافي، وبالتالي يتم خلق جيل جديد يمارس الثقافة من جانب بعيد عن الفكر الثقافي التقليدي الإلزامي ويفتح أفاقاً من التفسير العقلي والمنطقي والذي يساعد على مواكبة التطورات والتغيرات على جميع الأصعدة لخلق مجتمع ذي مناخ ثقافي. نعم إن المجتمع المتعلم والصحي والمستقر هو بالضرورة منتج لثقافة رصينة وأدب رفيع المقام.

أيها البرلمانيون إن المثقف يمكن أن يكون عوناً للبرلمان في تغيير وإصلاح وتطوير المجتمع وتنويره، وأنتم مطالبون بالاهتمام وتقديم الخطط والمشاريع والبرامج والمقترحات لدعم الثقافة كرسالة ومظهر ديمقراطي حضاري، ونأمل أن يعطي المجلس النيابي الجديد للثقافة والمثقفين حيزاً كبيراً وفيراً، فنحن ننادي دائماً بثقافة الانتخاب وانتخاب الثقافة.