أعلنت الإدارة الأمريكية في 19 ديسمبر الجاري أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تسحب قواتها من سوريا بقرار منفرد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما يمثل نقطة تحول مهمة في السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. القرار جاء منفصلاً عن أي تخطيط استراتيجي وأي سبب منطقي، بعد أن اعتبر الرئيس دونالد ترامب أن المهمة الأمريكية في سوريا انتهت بنجاح وقال إنه «تم سحق تنظيم الدولة الإسلامية»، وعلى أثر ذلك جاءت ردود الفعل سريعة من الداخل الأمريكي وخارجها والمتمثلة باستقالة كل من وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس من منصبه وكذلك المبعوث الأمريكي بريت ماكغورك للتحالف ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، كما أثار القرار جدلاً كبيراً من قبل حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، ونشر مركز دراسات الحرب الأمريكي تقريراً بعد إعلان ترامب انسحاب القوات الأمريكية بساعات جاء في مطلعه «لم تهزم الولايات المتحدة وحلفاؤها «داعش» في العراق أو سوريا». وهو ما يدفع إلى التخوف من أن جيوب التنظيم قادرة على لملمة نفسها مرة أخرى.

إضافة إلى ذلك أن الانسحاب الأمريكي السريع من المناطق السورية قد يمنح قوى متنافسة تتصارع داخل الدولة السورية الفرصة لتحقيق أهدافها، في الوقت نفسه عدم وجود اتفاق مسبق بين الأطراف المتصارعة لحل الأزمة السورية. والشعب السوري هو الخاسر الأكبر في هذا الصراع، ويعود ذلك إلى كونهم أفراداً لا طرفاً في الصراع، وأن قرار الانسحاب الأمريكي المتسرع ستكون له نتائج سلبية على الصعيد الإنساني في سوريا وسوف يتسبب بنتائج وخيمة على الشعب السوري ويضعهم تحت تهديد أكبر. كما أن الانسحاب الأمريكي سوف يصب في مصلحة حلفاء الرئيس بشار الأسد وسيزيد من إحكام سيطرتهم على المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة الأمريكية أو سيطرة حلفائها. الرئيس دونالد ترامب أعلن أكثر من مرة ضرورة تقليص دور إيران في المنطقة الحليف الأول للأسد على اعتبار أنها الرابح الأول من هذا الصراع والتي تشارف على إنهاء السنة الثامنة لوجودها في سوريا. أما بالنسبة لروسيا الحليف الأقوى للأسد فإن مكاسبها من الانسحاب الأمريكي سوف تكون أقل نسبياً، نظراً لوجودها في سوريا الذي يقتصر على الدعم العسكري فقط لحماية النظام السوري، مقارنة بالوجود الإيراني الذي يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بشكل أكثر تشعباً إلى حلفاء لها في لبنان والعراق وذي أفق استراتيجي أكثر وضوحاً.

تركيا التي تعتبر بلا شك أحد أطراف الصراع الجاري في المنطقة، فهي لم تكن ضمن قائمة الحلفاء ولا قائمة الأعداء، وحقيقة كونها عضواً في حلف شمال الأطلسي «الناتو» جعلها طيلة السنوات الماضية تحت رحمة المساومات، خاصة فيما يتعلق بمسألة الأكراد، عدو تركيا الأول. الولايات المتحدة الداعم الرئيس للفصائل الكردية في الشمال السوري منذ عام 2015 بعد إعلان الانسحاب سوف تتخلى عن مصير الشعب الكردي في سوريا الذي يواجه التهديد المستمر من قبل تركيا، والرئيس التركي لم يخف نواياه بتدخل عسكري في الشمال السوري يوحي بأنه على استعداد لتنفيذ ضربة ضد القوات الكردية هناك.

* أستاذ العلاقات الدولية