تتحفنا كعادتها جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية بأنشطة نوعية وخطاب تنموي متقدم.. وكم توقفت عند مفارقة أننا في الوقت الذي شهدنا فيه مطالبات امتدت لسنوات طويلة من أجل إصدار قانون أحكام الأسرة ظناً بأنه طوق النجاة الأوحد لكل المآسي التي شهدتها المحاكم الشرعية نتيجة غياب وجود النص القانوني الذي ينظم الأحكام، إلا أن ملف المطلقات وما يعيشنه وأبنائهن لاتزال تدور في دوامة لا تنتهي.

في محاضرة تسريح بإحسان أمس الأول، ضجت قاعة مبنى «كن حراً»، في الزنج بالكثير من المشاكل التي تدمي القلب، وقفت سيدة مطلقة توسطت مجموعة من المطلقات وقالت أمام الحضور: «عمري 26، تطلقت بعد 6 سنوات من زواجي كان ثمرة هذا الزواج طفلين جميلين، صبرت كثيراً ولكني وصلت لطريق مسدود، أبو عيالي عاطل عن العمل طوال فترة الزواج، سكير، وعليه الكثير من القضايا، حاولت السكوت ولكنني لم أستطع، فكيف أربي أطفالي في ظل زواج كهذا، والأمر بأنني بلا نفقة ولا سكن، فأين أعيش أنا وأبنائي فبيت أبي ضاق علي وإن لفاني أنا كابنة فإنه من الصعب أن يلفي أبنائي، فهم ملزمون من أبيهم لتوفير حياة كريمة لهما».

هذه الحالة.. نموذج لسيدة كسرت الصمت وعلت الصوت، حول واقع مرير تعيشه المطلقات، ولكنْ ثمة موضوع آخر يحتاج إلى كسر الصمت حوله أيضاً، فالمطلقة الحاضنة يكفل لها القانون توفير سكن لها ولأطفالها، ولكن في حال كبر أصغر طفل وتخطى 18 عاماً، تصبح المرأة بلا حق في البقاء في المنزل، ويمكن لطليقها ببساطة طردها!

هل الزوجة لعبة في يد زوجها..؟ متى ما مل منها تستبدل بأخرى.. عجبي من تحول كلمة «الحق» إلى «ظلم» فالظلم ظلمات.. وما يحدث في حالات الطلاق الممتدة لسنوات لهي مآسٍ تدمي القلب، فالطلاق سلطة تمارس دون حسيب ولا رقيب.

تطرد المرأة بعد 20 و30 سنة زواج.. تطرد بعد أن تكبر وتصبح غير مرغوبة للزواج من آخر.. تطرد بعد ضياع عمرها الذي لا يعوضه لا مال ولا بنون.. تطرد بعد أن تكون قد أفنت عمرها في سبيل رجل سمي زوجها كان يفترض به أن يكون أميناً عليها لا أن يبيعها برخص التراب، تطرد بعد أن يرسم الزمن على وجهها خطوطاً لا يمكن إزالتها.. هنا بالضبط تهان المرأة وتضيع كرامتها بلا نص قانوني يحميها.

في السابق كان مريراً وجود أحكام متناقضة في قضايا متشابهة وسط تباينات في اجتهادات القضاة.. وكان من الصعب أيضاً أن يكون الأطفال هم من يدفعون ثمن الخلاف بين الزوجين.. ولكن الأمر اليوم هو وجود ثغرات لم يغطها القانون.. ثغرات تحول «الحق» إلى «ظلم»، ظلم لا تعيشه سوى المرأة باعتبارها الحلقة الأضعف دائماً، علماً بأن الرجل الحقيقي لا يرضى بإهانة أم عياله التي كانت يوماً في عصمته.. فالرجل عز وشهامة ومروءة ومن دونها لا يكون رجلاً.

تسريح بإحسان محاضرة دقت الجرس حول أهمية دخول قاضيات للمحاكم الشرعية، وإيجاد جيل من القضاة على درجة كبيرة من التخصص والمعرفة والدراية، ومن ثم التوعية الممنهجة وفق خطة وطنية استراتيجية بقدسية الزواج وعدم استسهال هذا الرابط الذي يهتز بالطلاق عرش الرحمن لجيل مختلف لقب «بالجيكن نقتس» كل طموحه أن يصبح «فاشنستات ويوتيوبرز»! إضافة إلى أهمية إلزامية الإرشاد والتأهيل قبل الزواج كإجراء من إجراءات إتمام الزواج مثل الفحص الطبي، ومراقبة تنفيذ الأحكام وحل ثغرات قانون أحكام الأسرة التي تستوجب من أهل الاختصاص النظر فيها سريعاً، إذ لا نحتاج إلى سنوات طويلة من المطالبات للتعديل في ظل إمكانية حرق المراحل والبناء على ما هو موجود.

رفقاً بالقوارير.. وصية النبي الأعظم.. رفقاً بالقوارير التي تجعل من المرأة درة مصانة يراد لها أن تكون عزيزة.. تخرج من بيت أبيها صبية جميلة معززة مكرمة لتذهب لتعيش في ظل رجل يجب أن يكون لها الزوج والسند والستر والظل.. لا أن يبيعها برخص التراب ولا يستبدلها بأخرى.

السكنى.. الرحمة.. الميثاق الغليظ.. كلها كلمات تستوجب التدبر والتمعن في آيات كثيرة في القرآن الكريم.. فلو كان هناك فهم صحيح للقرآن لما حدثت كل هذه المشاكل التي تغص بها المحاكم الشرعية.. إذاً وقفة مراجعة من السلطة التشريعية.. ومحاولة لإعادة النظر في النصوص الموجودة، ومراجعة تفاسير آيات الطلاق وفق مراعاة الوعي المقاصدي، وتطوير التشريع بما يحفظ حق المرأة لئلا تكون لعبة في يد الرجل، كلها أمور تستوجب رفع الصوت.. فهل من سامع؟