لا يزال العلماء والباحثون يكتشفون بشكل مستمر معلومات جديدة حول تأثير فيروس كورونا (كوفيد19) على الجسم وأسباب تأثيره على مجموعة من الأشخاص أكثر من غيرهم. فمن ما تم معرفته انه يصيب جميع الفئات العمرية، لكن الأعراض الأكثر خطورة التي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة لوحظت لدى كبار السن وأولئك الذين يعانون من حالات طبية كامنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي.

فقد صرح المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها أن 73٪ من مرضى (كوفيد19) والذين عانوا من مضاعفات خطيرة للمرض في إيطاليا وإسبانيا والسويد وسويسرا وهولندا يعانون من السمنة.

كما بينت الدراسات في فرنسا والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية وايطاليا والولايات المتحدة الامريكية ان الوفيات بسبب كورونا كانت اكبر بين المرضى الذين كانوا يعانون من السمنة. وهو ما دفع الباحثين للسعي من أجل فهم أعمق لمعرفة ما هي حقيقة هذه الصلة بين الإصابة بـ (كوفيد19) والسمنة.

حيث إن الدراسة التي أجريت على 3615 مصاباً بفيروس (كوفيد19) في مستشفى أكاديمي في نيويورك والتي اعتمد على الصفات الديمغرافية ومؤشر كتلة الجسم لدى المصابين، بينت أنه على الرغم مما يشكله التقدم في العمر من خطورة على المريض المصاب بفيروس كورونا إلا أن السمنة كان لها الارتباط الأكبر بمضاعفات الإصابة بالمرض. كما وجدت أن الخطر يزداد بالنسبة إلى الذين تقل أعمارهم عن 60 عاماً ويعانون من السمنة، خصوصاً عند أولئك الذين يكون مؤشر كتلة الجسم لديهم يزيد عن 30كجم / متر مربع.

وقد يكون تراكم الدهون في الصدر والبطن عند الذين يعانون من السمنة والذي يقلل من وصول الأوكسجين للأعضاء الحيوية بسبب صعوبة توسع الحجاب الحاجز والرئتين لديهم، إضافة إلى اقتران السمنة بالأمراض المزمنة سبباً كافياً للبعض لتفسير هذا الارتباط إلا أن ما كشفته الدراسات بينت أسباباً أخرى.

فقد وجد الباحثون من خلال دراساتهم أن الخلايا الدهنية تنتج كميات كبيرة من أنزيم ACE الذي يستخدمه الفيروس للتسلل لخلايا الجسم، كما أن الدهون تلعب دور الخازن للفيروس وبالتالي فالدهون الزائدة حول الأعضاء الداخلية تؤدي إلى إصابة المرضى بالتليف وتندب في الأعضاء، وبذلك ستكون الإصابة بالفيروس أكثر حدة.

كما فسر باحثون من جامعة إمبريال كوليدج في لندن، أن المصابين بالفيروس والذين يعانون من السمنة يحتاجون إلى إنتاج كميات كبيرة من الأجسام المضادة المناعية لمهاجمة الفيروس وبالتالي حصول ما يعرف بعاصفة "الاسيتوكين" ومن المحتمل أيضاً أن تكون هذه الدهون المتراكمة في الجسم عائقاً أمام إفراز المواد اللازمة لتهدئة حدة تحفز الجهاز المناعي.

وتعرف عاصفة "الاسيتوكين" على أنها تفاعل مناعي شديد يطلق فيه الجسم كميات كبيرة من "السيتوكينات" في الدم بسرعة. والسيتوكينات هي مادة كيمائية تنسق عمل الجهاز المناعي وتلعب دوراً مهماً في الاستجابات المناعية الطبيعية ولكن إطلاق كمية كبيرة منها في الجسم مرة واحدة يمكن أن يكون ضاراً. ويمكن أن تحدث عاصفة "الاسيتوكين" نتيجة للعدوى الفيروسية أو حالة المناعة الذاتية أو أمراض أخرى. وقد يحدث أيضاً بسبب استخدام بعض أنواع من الأدوية. وتمتاز أعراض عاصفة "الاسيتوكين" بارتفاع درجة الحرارة وتجمع السوائل في الرئتين وانخفاض ضغط الدم والإرهاق الشديد والغثيان. كما وجد أنها قد تعزز من تخثر الدم، الأمر الذي قد يسبب تجلطات في الشرايين وبالتالي إلى سكتة دماغية أو نوبة قلبية.

وقد أشارت المنظمة العالمية للسمنة، إلى أن المصابين بـ (كوفيد19)، والذين يعانون من السمنة يمثلون تحدياً أكبر لمراكز الرعاية الصحية من المصاب العادي، وذلك لصعوبة عملية تزويدهم بجهاز التنفس الاصطناعي وإجراء التحليلات التصويرية، إضافة إلى صعوبة نقل المريض وتحريكه، وبالتالي يعرضه لخطر تفاقم الإصابة بالفيروس أكثر من غيره. فجميع هذا الأسباب تحتم على الأشخاص الذين يعانون من السمنة المحافظة أكثر على إجراءات التباعد الاجتماعي وكل ما يكفل سلامتهم من الإصابة.

* أخصائية طب المجتمع وعلم الوبائيات