إنما هي حياة واحدة، ولكن تعددت نظرة البشر نحوها، بعضهم تعاملوا معها بخفة بالغة فاعتبروها لعبة، وآخرون استخفوا بها حد اللهو في كل التفاصيل وعدم الاكتراث بغايات حياتنا ولا بأن يكون للإنسان منا دور مهما تضاءل حجمه، بينما حمل فريق آخر على عاتقه مسؤولية الحياة كاملة، ساعياً نحو بناء العالم حيناً وتغييره حيناً أخرى. تلك الأدوار المتفاوتة في المجتمع ما بين الاتزان حيناً والتطرف هنا وهناك أحياناً أخرى، باتت مدعاة للتساؤل حول سؤال قد يبدو بديهياً ومن ثم عبثياً ولكني أجده جديراً بالطرح لو تأملنا الحياة من العمق، والسؤال: «كيف نعيش هذه الحياة؟».

بعضنا يرى الحياة مريرة ومحض عذاب وابتلاء واختبار، وبعضنا الآخر يرى «الحياة حلوة»، والبعض يتأرجح بين هذا الرأي وذاك. ولأننا نجمع على أنها حياة واحدة، فكلنا اختار فيها سبيله، بين أن يقضيها محارباً ومنجزاً لترك بصمة أو أثر، وبين أن يعبث ويلهو لعدم تكرار الفرصة لذلك. بعضنا يرى أن السعادة والراحة في الآخرة والدنيا دار سعي، وآخرون يتغاضون عن مصيرهم الأخروي مركزين على متعهم الدنيوية. لسنا بصدد التصويب أو التخطئة. فإنما هم بشر وتتعدد مشاربهم.

أطرح تلك التساؤلات في محاولة مسك العصا من المنتصف، بعد أن وجدت أن السعي والإنجاز البالغين ليل نهار وعلى طول الرحلة مهلكة للفرد وتفريغ متواصل للطاقة، وأن اللهو والعبث يكاد -إذا ما استغرق فيه الإنسان ليكون ديدن حياته- لا يرقى إلى وصفه حياة إنسانية لإفراغه من المعنى. وما بين أفراد مستهلَكين ومنطفئين، وأفراد متقدين وعابثين تأتي موازنة الأدوار.

* اختلاج النبض:

في حالة استهلاك وانطفاء مررت بها ذات يوم، نصحني أحدهم بالانشغال بما أحسبه تفاهات، ورغم أن النصيحة جاءت صادمة، إلاّ أنني عندما حاولت تطبيقها وجدت قيمة مختلفة لأمور كنت أجدها عديمة الجدوى والفائدة، وأعني بالتفاهات هنا التجارب والهوايات الجديدة التي تتعارض تماماً مع اهتماماتي وغاياتي في الحياة. لعلها ساعدتني على التفكير بعقل الآخر والشعور بمتع جديدة، ولكنها أيقظتني على حقيقة أن الحياة ليست جد وعطاء وإنجاز وحسب، وإنما «ضحك ولعب وجد وحب».