تعتبر منطقة الشرق الأوسط هي قلب العالم النابض ومهد الديانات ومركز الحضارات وحلقة الوصل بين الشرق والغرب، فطالما كانت ساحة لأطماع الدول الكبرى، كما أن موقعها الجغرافي مثّل أهمية كبرى للدول العظمى، ومع اكتشاف البترول والغاز في المنطقة زادت أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية، وحظيت باهتمام القوى الدولية للسيطرة على الثروات النفطية وعلى ممراته الملاحية الاستراتيجية والتي تمر من خلالها غالبية التجارة الدولية.

ومع التقلبات الدولية واختلاف ميزان القوى في العالم، أصبحت منطقة الشرق الأوسط مجالاً للتجاذب الدولي خلال فترة الحرب الباردة، ومع التطورات الإقليمية والدولية والصراع الاستراتيجي بين الدول وانهيار الاتحاد السوفيتي واتجاه العالم المبني على القطب الواحد، استفردت الولايات المتحدة على المنطقة، ووقعت مع كثير من دول المنطقة اتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية من أجل ضمان مصالحها بالدرجة الأولى وتأمين إمدادات النفط والغاز، كما أن العديد من دول المنطقة تعتمد عليها في توفير الخدمات والمنتجات عالية التقنية والأسلحة، وبلغ حجم التجارة في ما بينهما في عام 2020 بما يقدر 113 مليار دولار.

ومع زحف الصين بقوة إلى قمة النظام العالمي ورغبتها في استعادة التوازن الاستراتيجي بمنطقة غرب آسيا، اتجهت في سياستها إلى الشرق الأوسط، فالصين لديها علاقات تاريخية مهمة وتبادل تجاري واقتصادي وتنموي مع دول المنطقة، وتعتمد الصين على إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط بما لا يقل عن 60 % لتحريك قوتها الصناعية، كما أن الشرق الأوسط هو ركيزة جغرافية وسوق مهم لمشروعات الربط الاقتصادي الصيني العملاقة على المستوى الدولي، وتحديداً مبادرة «الحزام والطريق»، ووصل التبادل التجاري بين الصين ودول المنطقة إلى 151 مليار دولار خلال عام 2020، أي أكبر من التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ونتيجة إلى ذلك، ازداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين على منطقة الشرق الأوسط، فما زالت الولايات المتحدة تنفرد بموقع المهيمن وشريكاً أمنياً وعسكرياً مع مجمل دول المنطقة، ولن يكون للشركاء في المنطقة بالإمكان التخلي عن هذه الشراكة على المدى القريب على أقل تقدير، وكذلك الموقف مع الصين حيث بنت سياستها الاستراتيجية للاتجاه نحو الغرب في مجابهة استراتيجية الاحتواء الأمريكية الاتجاه شرقاً، وهنا نجد الصين حذرة جداً في تفعيل قوتها العسكرية والسياسية في مناطق النفوذ المعتادة للولايات المتحدة، لكن المؤشرات الراهنة تشير إلى تطور في السياسة الخارجية الصينية، لاسيما تجاه الشرق الأوسط، واتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة مع إيران خير شاهد، إن اتفاقية الصين وإيران لم تقتصر فقط على جوانب اقتصادية، بل أنها بحسب البنود المسربة، تشتمل على اتفاقيات يسمح للصين بتشييد موانئ يسهل استخدامها كقواعد عسكرية، بمحاذاة الممرات المائية ذات الأهمية البالغة لتدفق شحنات الطاقة للأسواق العالمية.

ونتيجة للتنافس بين الولايات المتحدة والصين قامت بعض الدول الأوسطية باستخدام العلاقة مع الطرف الآخر كورقة ضغط، فلا شك أن التنافس بين الصين والولايات المتحدة يتيح لتلك الدول التوازن في إقامة علاقات مع الآخر وتنويعها وتوزيعها بين الدول المتنافسة؛ مما يتيح لها إظهار مرونة أكبر وخيارات أوسع في السياسة الخارجية، لكن دون المساس بالعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن التوقع بحدوث حرب باردة بين الدولتين في المنطقة، يقلص مساحات المناورة الدبلوماسية التي تملكها الدول، لاسيما إذا توترت العلاقات أو حدثت أزمات سياسية، مما يضطرها للتخلي عن الحياد والانضمام لإحدى القوتين على حساب الآخر.

ولأهمية المنطقة للولايات المتحدة والصين فإنه من المصلحة العامة وجود توافق مبني على مبدأ الاستقرار والاتجاه إلى التخفيف من حدة تصعيد النزاع في المنطقة، وقد يؤدي هذا التوافق السياسي إلى تشكيل سياسة جديدة ووجود أرضية مشتركة وتبادل في المصالح فيما بينهما، تضمن للصين تحقيق مصالحها الجيو-اقتصادية في مجال التجارة والطاقة والاستثمارات، ويمكّن للولايات المتحدة من المحافظة على مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، مما يؤدي إلى المساهمة في بسط الأمن والسلم في المنطقة، وتجنيبها الآثار المدمرة للصراع بين القوتين.