حاجي: 70% من القضايا بسيطة ويستطيع الذكاء الاصطناعي إنجازها

العدالة ليست مسألة رياضية يمكن حسمها بالآلة


توقع محامون وخبراء أن تتأثر مهنة المحاماة بالذكاء الاصطناعي خلال سنتين على أقصى تقدير، فيما يمكن أن يصل تأثيره على إنهاء القضايا البسيطة في الجهات العدلية خلال 6 أشهر حيث يمكن باستخدامه إنجاز نسبة 70% من مجمل القضايا بصورة أسرع.



لكن محامين، أكدوا أن العدالة ليست مسألة رياضية يمكن حسمها عن طريق آلة لن تصل لمهارات المحامي في الفطنة والمنطقية وفن الترافع أمام القضاء ووضع الأسئلة وتكييفها بما يضمن الوصول لقناعة المحكمة.

وأكد المحامي الدكتور علي البحار، أن الذكاء الاصطناعي اليوم لا يمكن فصله عن باقي العلوم وتأثيره على الواقع العملي للمهنة سيصبح أمراً مسلماً به حالها كحال باقي المهن والعلوم الأخرى التي ستتأثر به، مشيراً إلى أن الإعلام الإلكتروني اليوم كعلم جديد أصبح له تأثير مباشر على كل المهن، ومن لا يتعاطى معه يصبح خارج هذا الفضاء، وقال إن المحامين سيتأقلمون مع الوضع في حال تم تطبيقه في المجال القضائي والعدلي، وأي محامٍ لا يطور نفسه فسيكون "أمياً" في علوم المستقبل وقد يخرج من سوق المحاماة لصعوبة المنافسة.

وخفض البحار توقعاته بالتأثير الكبير على مهنة المحاماة مع تطور الذكاء الاصطناعي، مبيناً أن المحامي يجب أن يكون عارفاً بأساسيات الكثير من العلوم المرتبطة بمهنته مثل المنطق والمحاسبة والهندسة واللغة... إلخ وأساليب الوساطة والتفاوض وفن الترافع والتعامل مع التطبيقات التي تخدم عمله، إلى جانب العلاقات الاجتماعية وتأثيرها على نجاح التسويات وتعزيز الثقة في الشخص، وأوضح أن التأثير لن يكون كبيراً أيضاً بسبب صغر حجم سوق المحاماة في البحرين، ووجود تشريعات منظمة لإبداء الرأي القانوني والاستشارة، لكنه دعا للعمل على تطوير التشريعات لتواكب تسارع التطور في التكنولوجيا، وقال: "لا يمكن الاستعانة بـ"المحامي الافتراضي" حالياً دون تنظيم تشريعي".

وحول استعانة بعض أصحاب القضايا باستشارات مجانية عبر الإنترنت وتنامي قدرات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، أكد الدكتور البحار أن تلك الاستشارات لا يمكن الاعتماد عليها منفردة لتشخيص الحالة القانونية دون النظر للمعايير الأخرى والأعراف الخاصة بكل مجتمع أو مهنة والتي ربما لن يفهمها الذكاء الاصطناعي أو يدرك النفس البشرية وحدودها في توضيح كافة نقاط الموضوع قيد البحث.

وقال: "هناك تفاصيل تجعل المحامي أو القاضي يستنبط أو يقيس من خلالها المركز القانوني للشخص استناداً لمبادئ عرفية وقانونية وقضائية مختلفة من أجل الوصول للعدالة".

ولفت البحار إلى أن مكتبه استقبل أصحاب قضايا أفصحوا بأنهم استعانوا بغوغل في البحث عن طرق مجانية للوصول إلى حقوقهم، أو مكاتب تخليص غير مرخصة، لكنه أكد أن هؤلاء قدموا إلى المكتب بعد فوات الأوان، وبعد أن تيقنوا بعدم جدوى العملية لهذه الطرق، وأهمية اللجوء للمحامي البشري في وقت مبكر حتى قبل القيام بالعمل تجنباً للخسارة، وضياع الوقت. فالوقاية خير من العلاج.

من جانب آخر، أكد المحامي محمد الجشي على الحاجة لتطوير التشريعات بما يضمن تنظيم عمل الذكاء الاصطناعي في مسائل التقاضي والاستشارات والحوكمة، وقال إن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على مهن أخرى مثل الهندسة والطب والمحاسبة، لكن من الصعب أن يصل لمهارات المحامي في الفطنة أو المنطقية بشأن المعلومات التي يطرحها المدعي، أو حتى الترافع أمام القضاة ووضع الأسئلة وتكييفها بما يضمن الوصول لإقناع القاضي، وقال: "إجراءات التقاضي هي فن بحد ذاته فالمحامي يحضر أمام القاضي ليرى رد فعله ومدى اقتناعه بالدفوع وتغيير المسارات بما يضمن الوصول للحكم الذي يريده، كما أننا نتحاور فيما بيننا لنضع مذكرة دفاع محكمة لا يقل عدد الآراء فيها عن 5 مستشارين".

لكن الجشي أوضح وجود أثر على مهنة المحاماة في بعض أنواع الدعاوى التي يمكن للمدعين الاستغناء عن المحامي واستبداله بمعلومات خارجية، مثل الدعاوى العمالية والدعاوى المدنية البسيطة، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن ينافس ويؤثر على شريحة معينة من المحامين، وتوقع لهذا الأثر أن يظهر بوضوح خلال سنتين.

بدورها أكدت المحامية نهاد السراج، أن مهنة المحاماة لا يصلح فيها تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي على إطار واسع يتجاوز حد استخدام تلك التقنيات في ترتيب وتيسير عمل المحامي من خلال تبويب النصوص القانونية وترتيب ملفات الدعاوى بما يكفل سهولة الوصول للمعلومات الخاصة بكل قضية، فضلاً عن عمل قاعدة بيانات للأحكام والقوانين.

وأضافت السراج قائلاً: "أما أن يتجاوز استعمال الذكاء الاصطناعي هذا الحد فهو أمر لا يتماشى مع مقتضيات العدالة التي تستلزم أن تخضع للتقدير البشري بالنظر إلى ظروف الدعوى وملابساتها، وما يحيط بأطرافها من أمور تؤثر فيما ينتهي إليها المدافع عنهم أو القاضي الذي يصدر الحكم في النزاع بينهم، إذ إن النزاع بين الأفراد والمؤسسات يكون ذا طابع بشري تدخل فيه مقتضيات العدالة والمساواة والمواءمة وتطبيق القانون الأصلح بما يكفل تحقيق العدالة بين الأطراف، فالعدالة ليست مسألة رياضية يمكن حسمها عن طريق الآلة التي لا تحمل صفات البشر".

من جانبه، توقع الدكتور جاسم حاجي رئيس المجموعة الدولية للذكاء الاصطناعي ومستشار الذكاء الاصطناعي والبيانات بمركز ناصر للتأهيل والتدريب المهني، أن يظهر تأثير تطبيقات chat gpt على مهنة المحاماة خلال 6 أشهر، موضحاً أن المتاح حالياً هو باللغة الإنجليزية، لكن طالما كانت القوانين والتشريعات الوطنية موجودة على الإنترنت فيمكن للتطبيق أن يعطي نتائج ممتازة لبعض القضايا.

وأشار حاجي إلى أهمية البدء بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في القضاء والتشريعات قبل التفكير في أثره على المحامين، مشيراً إلى المؤتمر الدولـي للذكاء الاصطنـاعي الذي عقد خلال شهر مارس الماضي برعاية النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين والذي خرج بتوصيات مهمة في هذا الشأن، وقال إن الذكاء الاصطناعي مهمته تحليل البيانات والتنبؤ بمسارات الدعاوى البسيطة والتي تمثل نسبة تتراوح ما بين 60-70% من إجمالي القضايا التي تتداولها النيابة العامة.

وأوضح الدكتور حاجي أن التأثير على المحامين قادم، لكن يمكن تحويل هذا الأثر إيجاباً، وقال: "المحامي الذكي يمكن أن يستعين بالذكاء الاصطناعي ويستغني عن مستشارين ليخفض من أتعابه وتكاليف الرواتب".

وكان المؤتمر الدولي للذكاء الاصطناعي قد أوصى بمجموعة من التوصيات جاءت كالتالي:

1. تكوين لجنة تقنية من المتخصصين في تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، تعمل تحت رعاية النيابة العامة لبحث الاستراتيجيات واقتراح آليات الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة الجنائية.

2. النظر في متطلبات إعادة تهيئة "قاعدة البيانات والمعلومات" الخاصة بالنيابة العامة لتكون متوافقة مع متطلبات الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في أعمالها.

3. الاستمرار في عقد البرامج التدريبية لمختلف أطراف منظومة العدالة الجنائية للاطلاع على أحدث التجارب الدولية الناجحة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، لتحقيق مزيد من فهم واستيعاب آلية عمل تلك التقنيات الحديثة، مما يفتح مجالاً لاستيعاب وتطويع القواعد القانونية القائمة أو سن التشريعات الخاصة التي تتلاءم مع طبيعة تلك التقنيات.

4. الدعوة لتبني الدليل الاسترشادي حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي المُعد بمعرفة النيابة العامة بمملكة البحرين، والذي يتضمن الأطر والقواعد العامة الحاكمة لعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

5. تشجيع البحوث الوطنية في مجال تحديد المسؤولية الجنائية والمدنية لاستعمالات الذكاء الاصطناعي بحيث يتم الوصول إلى فهم دقيق لآلية عمل تلك التطبيقات وكيف يمكن محاسبتها حال خروجها عن القواعد المعمول بها.

وفيما يتعلق بالجانب التشريعي:

6. التوافق على تعريف موحد للذكاء الاصطناعي وتحديد نطاقه في مجال العدالة، إذ إن أولى خطوات التنظيم القانوني تبدأ بالتعريف بالشيء.

7. العمل على إعداد مشروع قانون وطني ينظم المسؤولية الجنائية الناجمة عن التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع مراعاة تصنيف أنماطها ومستوياتها تصنيفاً يتلاءم مع طبيعتها.

8. وضع القواعد الفنية والقانونية التي تضمن التشغيل الآمن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مما يقلل من نسبة حدوث الجرائم المرتكبة من خلال تلك التقنيات.

وفيما يتعلق بالتعاون الدولي:

9. ضرورة تنظيم معايير استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي من الناحية الأخلاقية وذلك على مستوى دولي، لضمان عدم خروج تطبيقات الذكاء الاصطناعي عن الأطر والقواعد التي يتعين مراعاتها.

10. إنشاء مركز خليجي مشترك يُعنى بتسجيل وأرشفة اختراعات الذكاء الاصطناعي والتي يتم تجربتها على أرض الواقع، لدراستها وتسجيل أية حوادث تُرتكب من خلالها وتفاصيل ذلك.