نشرت الولايات المتحدة الفرقة 101 المحمولة جواً التابعة للجيش الأميركي في رومانيا قرب الحدود مع أوكرانيا، في أول عملية انتشار للفرقة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وفق ما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز".

ووفقاً للصحيفة أصبحت فرقة الهجوم الجوي الأميركية الملقبة بـ"Screaming Eagles" (النسور الصارخة) أقرب وحدة بالجيش الأميركي من أوكرانيا، في وقت يتصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة.

وقالت "نيويورك تايمز" إن جنود الفرقة 101 المحمولة جواً يتدربون ويأكلون وينامون في قاعدة ميخائيل كوجلنيسيانو الجوية جنوب شرقي رومانيا التي لا تستغرق رحلة صاروخ للوصول إليها سوى 7 دقائق من شبه جزيرة القرم، حيث تخزن القوات الروسية ذخائرها.



وفي أقصى الشمال، يُجري جنود أميركيون من الفرقة 101 تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات الرومانية، على بعد أميال قليلة من الحدود الأوكرانية، بحسب الصحيفة.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن التمارين المشتركة بين الجانبين تشمل إطلاق المدفعية وشن هجمات بمروحيات وحفر خنادق مماثلة لتك الموجودة على الخطوط الأمامية بالقرب من خيرسون، المدينة الأوكرانية التي انسحبت منها القوات الروسية في نوفمبر الماضي.

"تحذير لموسكو"

وتعتبر مهمة الفرقة 101 نموذجاً في الجيش الأميركي الذي بدأ في السنوات الأخيرة يتفادى خوض الحروب النشطة، وينتهج سياسة ردع الخصوم باستخدام استعراض القوة وتدريب الحلفاء وتقديم شحنات الأسلحة ومساعدات أخرى، لتحقيق أهدافه.

وتعد "النسور الصارخة" فرقة الهجوم الجوي الوحيدة بجيش الولايات المتحدة، وتم تفعيلها في 16 أغسطس 1942، وتشتهر بقدرتها على تنفيذ أي مهمة قتالية أو طوارئ في أي مكان حول العالم. ويصفها الجيش الأميركي بأنها "فرقة المستقبل في جيش اليوم".

وكان رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال جيمس ماكونفيل تحدث عن الغزو الروسي لأوكرانيا، في مقابلة أجراها بقاعدة ميخائيل كوجلنيسيانو في رومانيا، قائلاً إن "هذا نزاع إقليمي، لكن تداعياته عالمية".

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن نشر القوات الأميركية في رومانيا، وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، يعد بمثابة "تحذير لموسكو"، كجزء من تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بالدفاع عن كل شبر من أراضي دول الحلف.

في الوقت نفسه، أشارت الصحيفة إلى أن إجراء الجيش الأميركي التدريبات المشتركة مع حلفائه هو كذلك وسيلة لضمان استعداد الحلفاء في جنوب شرق أوروبا على كبح أي خطر قادم من الشرق.

ولفتت إلى أنه من غير الواضح حتى الآن طريقة إدارة الولايات المتحدة لانتشارها العسكري في رومانيا، قائلةً إن وزارة الدفاع "البنتاجون" ستقرر قريباً ما إذا كانت ستحتفظ بأعداد القوات الحالية وكبار القادة هناك.

ورفض الجنرال ماكونفيل التنبؤ بما قد تقرره إدارة بايدن في رومانيا، قائلاً بشكل عام إن القوات الأميركية في القاعدة الجوية برومانيا "أحدثت الفرق، وأعتقد أننا سنواصل توفير هذه القدرات لك طالما كان ذلك مطلوباً"، بحسب ما نقلت عنه "نيويورك تايمز".

انقسام في الكونجرس

يأتي ذلك في وقت أبدت أصوات في الكونجرس الأميركي قلقها من تكاليف تقديم المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، إذ قال أبرز الجمهوريين في مجلس النواب كيفن مكارثي في أكتوبر الماضي، إن حزبه الذي أصبح يسيطر على مجلس النواب عقب الانتخابات النصفية في نوفمبر الماضي، لا يرغب في تقديم "شيك على بياض" لأوكرانيا.

وفي المقابل، فإن المؤيدين لحفاظ الولايات المتحدة على حضور عسكري قوي في شرق أوروبا يرون أن الغزو الروسي لأوكرانيا بدأ في فبراير بسبب عدم قيام واشنطن وحلفائها في الناتو بما يلزم لردع روسيا في الشتاء الماضي، حين كانت تحشد قواتها على الحدود الأوكرانية.

وقال سيث مولتون النائب الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس، للصحافيين بعد عودته من رحلة قصيرة إلى أوكرانيا في أوائل ديسمبر الماضي، إن "هذا أحد أهم الدروس التي يجب أن نستخلصها من أوكرانيا".

واعتبر مولتون أن هناك "احتمال حدوث سيناريو مماثل لما حدث بأوكرانيا، في المحيط الهادئ مع الصين وتايوان"، قائلاً إنه "علينا ضمان نجاح الردع".

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن المخططون العسكريين يشددون على ضرورة استخدام استراتيجية الردع، مشيرين إلى أن الفرقة 101 المحمولة جواً كانت تستخدم أيضاً البحر الأسود للتدريب على الدفاع الساحلي - وهي مهارة مفيدة إذا أصبحت الصين أكثر عدوانية وغزت تايوان.

وكانت الولايات المتحدة أمرت بنشر حوالي 4 آلاف جندي من الفرق 101 وكبار قادتها في أوروبا، بعد أسابيع فقط من بدء الغزو الروسي.

ووصل الجنود إلى القاعدة الجوية بالقرب من مدينة كونستانتا الساحلية الرومانية، خلال الصيف الماضي. وكانت القاعدة في السابق بمثابة موقع غير نشط لتدريب قوات الناتو، بما في ذلك عدة مئات من الجنود الأميركيين، إذ كانت تُستخدم غالباً كمحطة في طريق القوات الأميركية المتجهة من وإلى أفغانستان.

ونقلت الصحيفة عن بيكا واسر محللة الحرب في مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو معهد أبحاث في واشنطن، القول إن "وجود قائد فرقة وجنودها على مسافة قريبة جداً من الحدود مع أوكرانيا هو أكثر من مجرد رسالة رمزية. إنه يسمح باتخاذ قرارات سريعة بشأن مكان نشر الآلاف من القوات والأسلحة إذا دفعت روسيا الحرب إلى أراضي الناتو".

وأضافت واسر: "ما نراه الآن هو مؤشر على تغيير في الطريقة التي يتعامل بها الجيش الأميركي مع مواقف الاستنفار العالية والانتشار في جميع أنحاء العالم، وذلك مع تغير حقبة الحروب النشطة كما عهدناها في العراق وأفغانستان".

وتابعت: "الأمر لم يعد يعتمد على الانتشار القتالي، فما لدينا الآن حقاً هو نشر للردع."

مهمة "مختلفة"

ووفقاً لـ"نيويورك تايمز"، فإن مهمة جنود الفرقة 101 في قاعدة ميخائيل كوجلنيسيانو برومانيا تختلف إلى حد ما عن المهمات الأخرى في أماكن أخرى بأوروبا، حيث تقوم بعض القوات الأميركية بتدريب القوات الأوكرانية على أنظمة أسلحة متطورة يتم شحنها إلى كييف.

ونقلت الصحيفة عن قائد الفرقة، جي بي ماكجي القول إن "التدريب مع جنود آخرين من أوروبا الشرقية له قيمته الخاصة"، موضحاً: "إن ذلك يمنحك فرصة للتدريب والعمل على الأرض التي قد تضطر للدفاع عنها".

وأضاف: "علينا أن نعمل مع حلفاء الناتو ، فمن المستحيل تقريباً في المستقبل أن نقاتل بدون حلفاء".

وشملت التمارين العسكرية تدريب القوات الرومانية على استخدام أنظمة إطلاق صواريخ هيمارس في البحر الأسود خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو النظام الذي ساعد أوكرانيا على دفع القوات الروسية للتراجع.

واشترت رومانيا 3 من أنظمة الصواريخ منذ سنوات، وقال المسؤولون إنها لا تزال في طور التسليم، بحسب "نيويورك تايمز".

وبالإضافة إلى القوات في رومانيا، أرسل الجنرال ماكجي أيضاً فرقاً أصغر من الجنود للتدريب مع حلفاء الناتو في بلغاريا وألمانيا والمجر وسلوفاكيا.

وتفخر 101 بأنها أقرب وحدة من الجيش الأميركي إلى القتال الدائر في أوكرانيا، غير أنها ليس أكبر وحدة للجيش الأميركي في المنطقة. إذ أشارت الصحيفة إلى أن نحو 12 ألف جندي ملحق بفرقة المشاة الأولى بالجيش الأميركي، يتمركزون في غرب بولندا و دول البلطيق.