كتب - علي الشرقاوي:
البحث عن المغامرة واحدة من الصفات التي لا تقبل مغادرة حياتي، حتى وأنا في منتصف الستين، لذلك ما إن قرر الأصدقاء الشباب خالد الرويعي وخليل الرميثي وأحمد المريخي، الذهاب إلى شرم الشيخ ومن ثم القاهرة، حتى قلت لنفسي، ها هي مغامرة جديدة أمامك، لا تفوتها.
وبالفعل كنت فرحاً وأنا أستعد للسفر إلى منطقة لم أرها من قبل، وأحلى المدن تلك التي لم تزرها من قبل، كما يقول الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت.
وكالعادة قبل أي زيارة من زياراتي في أي مكان من هذا العالم، أقوم بعملية بحث عن المنطقة التي سأزورها، للتعرف عليها. فوجدت أن شرم الشيخ تقع بين جبال شبه جزيرة سيناء ومياه البحر الأحمر وتعد مكاناً ساحراً يحتوي على شعاب مرجانية رائعة ورمال بيضاء ومناظر طبيعية بديعة وتعرف بمدينة السلام واشتهرت في الفترة الأخيرة بكونها أحد أشهر المنتجعات السياحية. فلو جمعت سحر الصحراء مع جمال الشواطئ وصفاء المياه وندرة الشعب المرجانية ستكون النتيجة شرم الشيخ.
وفي تعاملي وجدت أن شرم الشيخ أكبر من الوصف بالكلمات، لكي تعرفها لابد لك من العيش فيها، والسباحة في مياهها المغايرة لكل مياه بحار الدنيا، بما تحويه شواطئها من شعب مرجانية، هي آية في الجمال والروعة والاختلاف. في البحرين كان هناك ثمة اتفاق بيننا، وهو أن نأخذ حقائب صغيرة، من أجل سرعة الحركة، دون انتظار لجمع الحقائب، وإذا كان هناك ثمة ما نحتاج إليه، فالسوق مفتوح، فنحن لسنا ذاهبين إلى صحراء، بل إلى مدينة عامرة بالسياح.
الصباح رياح
أخذني الصديق خالد الرويعي من البيت إلى المطار، وهناك وضع سيارته في موقف المطار، ليستلمها واحد من الأهل، وفي صالة المطار كان بانتظارنا الأصدقاء خليل الرميثي وأحمد المريخي، لننتهي معاً من حجز أرقام مقاعد الطائرة والانتظار في مقهى يسمح بالتدخين، قريباً من بوابة الانطلاق.
بوابة الإقلاع
بعد الانتهاء من ختم جوازات الدخول إلى مطار القاهرة الدولي، توجهنا بسيارة تاكسي إلى المطار الداخلي، والذي منه سننتقل إلى مدينة شرم الشيخ، وجهتنا الأولى، في المطار كان همنا أن نبحث عن كافيتيريات لشرب الشاي والأماكن التي يسمح فيها التدخين.
أخذت الرحلة من القاهرة إلى شرم الشيخ أكثر من ساعة، كنا نتأمل فيها الجبال التي ترتاح على تراب سيناء.
مطار شرم الشيخ
هو مطار دولي يبعد عن شرم الشيخ مسافة 23 كم، يعرف سابقاً باسم مطار العفيرة الدولي، وهو من المطارات السياحية العملاقة، فقد تسلمته الهيئة المصرية للطيران المدني (وزارة الطيران المدني حالياً) بعد استرجاع باقي الأراضي المحتلة من سيناء وذلك في أبريل 1982 لإدارته مدنياً، وقد كان به مبنى بسيط سابق التجهيز مقسم إلى صالة للسفر وأخرى للوصول وتستوعب كل منها 150 راكباً/ساعة، وإقامة ترماك يسع 4 طائرات متوسطة.
تبلغ سعة مبنى الركاب الأول حوالي 1800 راكب/ساعة، وهو بمساحة 10330م2. المطار مقسم لأربع صالات، صالتان للسفر، صالة للسفر الدولي وتبلغ مساحتها حوالي 3400م2، وصالة للسفر الداخلي وتبلغ مساحتها 3900م2، وصالتان للوصول، صالة للقادمين على الرحلات الدولية وتبلغ مساحتها 3900م2، وصالة للقادمين على الرحلات الداخلية وتبلغ مساحتها حوالي 1000م2. يضم المبنى أيضاً كونترات الجوازات، وقارئ آلي للجوازات والتأشيرات مزود بنظام OCR 20.
أجري تغيير كامل لواجهات المبنى ليتماشى مع التصميم العام للمطار. تغيير كامل للأسقف في المنطقة القديمة وتجليد الأعمدة وتجديد جميع القواطع الداخلية، وإضافة مكاتب لشركات السياحة بصالة للوصول. وتم تجديد شامل لصالة كبار الزوار وإنشاء صالات لتقديم الخدمات المتميزة.
تم زيادة القدرة الكهربية للمطار وتجديد للفرش الخاص بالمطار (المقاعد) وإنشاء كافيتيريا للعاملين، لتصل إلى 20 ميجا وات بدلاً من 5 ميجا وات مع إنشاء محطة كهرباء جديدة لتستوعب المشاريع الحالية والمستقبلية بالمطار. كما يضم المبنى أيضاً مطاعم وكافيتيريات ومحال تجارية ومنطقة للأطفال ومقهى إنترنت ومناطق لانتظار الركاب.
وتم تصميم المبنى على شكل قارب له جناحان أحدهما مخصص لصالات الوصول والآخر لصالات السفر، والجزء الأوسط للمبنى مصمم للكافيتيريات ومطاعم وصالونات لكبار الزوار وغرفة عمليات لإدارة المبنى. والمبنى الجديد مسقوف بخيمة ضخمة مصنوعة من نسيج مكون من 7 طبقات ويتميز بالمرونة والقوة ومقاوم للحرارة حتى 220 درجة مئوية، ويبلغ عمره الافتراضي 30 عاماً على الأقل، وتعطي مظهراً جمالياً لمبني الركاب في شرم الشيخ وطبيعة المكان.
تقول ويكيبيديا -الموسوعة الحرة- إن شرم الشيخ (وتختصر «شرم») هي أكبر مدن محافظة جنوب سيناء وتضم منتجعات سياحية ترتادها الأفواج السياحية من أنحاء العالم. وتشتهر بالغوص، فهي أحد ثلاثة مواقع غوص في مصر معروفة عالمياً. وأمام شرم الشيخ توجد جزيرتا تيران وصنافير. ومن أهم مناطقها رأس نصراني ورأس أم سيد إلى جانب رأس محمد. وتقع عند ملتقى خليج العقبة وخليج السويس والبحر الأحمر.
الكل يقول إن شرم الشيخ واحدة من أجمل أربع مدن في العالم حسب تصنيف الـ BBC لعام 2005، وقد بنيت هذه المدينة سنة 1968 وتطورت تطوراً سريعاً حتى أصبحت من أشهر مدن العالم.
جميع الفنادق البعيدة يكون لها باص ينقل السياح من وإلى الخليج نعمة مجاناً.. وذلك 4 مرات يومياً في أوقات محددة. وبها السياحة الشاطئية (المنتجعات) ورحلات البر والرياضيات المائية. تجاورها محميتان، محمية رأس محمد الطبيعية الواقعة إلى جنوبها، ومحمية نبق بينها وبين دهب. ومن الأنشطة المميزة السفاري البرية مع بدو سيناء.
الحياة في شرم الشيخ
تحوي اليوم أكثر من 150 فندقاً ومنتجعاً، ومطاعم شرقية وغربية، ومقاهٍ ومدناً ترفيهية. كما تحوي ملاهٍ ليلية وكازينو. خليج نعمة يضم أكثر المزارات السياحية من مطاعم ومحلات بالمدينة. ومن النشاطات الرياضية المتاحة ركوب الخيل ومختلف الرياضات والتزلج على الماء والغطس تحت إشراف حوالي ثلاثمائة مركز غطس موجود بالمدينة. وأثناء الاحتلال الصهيوني كانت تسمى «عوفيرا» وكان بها قاعدة جوية دارت بالقرب منها معركة شرم الشيخ الجوية.
أرض المحبة والسلام
تلقب شرم الشيخ بـ«مدينة السلام» واختارتها منظمة اليونسكو ضمن أفضل 5 مدن سلام على مستوى العالم من بين 400 مدينة مرشحة. فقد عقدت فيها مؤتمرات وقمم حول السلام والعديد من المؤتمرات السياسية والعلمية والسياحية. وزارها رئيس وزراء بريطانيا توني بلير في زيارته السياحية لمصر كما زارها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وزوجته في جولتهما في مصر، بجانب قادة كثر. واستضاف فيها عديداً من الشخصيات الغربية أيضاً، والقمم ومنها: قمة السلام لعام 1996 والتي حضرها قادة نحو 70 دولة ومنظمة دولية بينهم رؤساء مصر والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والسلطة الفلسطينية ورؤساء وزراء ألمانيا وكندا واليابان وإسبانيا وإيطاليا وإسرائيل وملوك المغرب والأردن والسعودية وأمراء البحرين والكويت والأمين العام للأمم المتحدة، قمة المجموعة 15 والذي عقدت لأول مرة في مصر عام 1998 في شرم الشيخ وهذه القمة تعقد بالتناوب في أحد دول المجموعة. وعقدت اتفاقية واى ريفر بين الفلسطينيين الذين مثلهم الزعيم ياسر عرفات وبين إسرائيل الممثلة في رئيس وزرائها في ذلك الوقت إيهود باراك في سبتمبر 1999 وقد حضر عقد الاتفاقية الملك عبد الله ملك الأردن، والرئيس مبارك ووزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت، قمة شرم الشيخ الثلاثية التي حضرها الرئيس مبارك والزعيم عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي كامب ديفيد. في الثالث من يونيو عام 2003، ناقشت القمة عملية السلام في الشرق الأوسط والموقف في العراق وكذلك محاربة الإرهاب، وعقد معسكر عمل يجمع 150 مشاركاً من 20 دولة أوروبية وأفريقية وعربية في أغسطس العام 1997. وفي العام 1998 معسكر آخر يضم 300 شاب من ثلاثين دولة وذلك في جو من الصداقة والحب من أجل السلام، معبرين عن حرصهم على تحقيق السلام العالمي، وفي عام 1999 انضمت خمسون دولة لتلك المعسكرات والتي أصبحت أحد معالم شرم الشيخ. ويعبر المشاركون في هذه المعسكرات عن تمسكهم الثابت بالسلام العادل والشامل وتشمل هذه المعسكرات أنواعاً مختلفة من الألعاب الرياضية والثقافية.
أصل التسمية
بحثت عن سبب التسمية، فوجدت هناك أكثر من قول، منها: أن شرم كلمة عبرية تعني شقاً في الجبل والشيخ هو اسم لقبيلة الشيخ التي كانت ساكنة في هذه المنطقة.. وهي قبيلة بدوية.. وأيضاً: سميت علي اسم القبيلة التي كانت ساكنة بالمنطقة. وهناك من قال إن شرم ليست كلمة عبرية، فأهل الشام كلهم يقولون على الشق شرم. مثلاً إذا عروة القميص وسعت يقولون انشرمت، انشرمت الأذن أو أذن الفتاة لقرط يقولون انشرمت. وهو أيضاً يطلق على اسم الشيخ حميد أو رأس الشيخ حميد، هو رأس بين بداية خليج العقبة ونهاية البحر الأحمر ويقع إلى الغرب من جزيرتي تيران وصنافير على الغرب من مضائق تيران، ويتبع تبوك، السعودية، وهي الأرض المنبسطة. وقال آخر: إن أصل التسمية لقبر يقال إن صاحبه هو الشيخ حميد وأنه كان رجلاً صالحاً، كان ينزل في هذه المنطقة يكرم الضيوف ويساعد من يطلب المساعدة، وعندما توفي دفن في المنطقة فسميت باسمه.
من المطار إلى الفندق
استأجرنا سيارة تاكسي إلى الفندق والذي عبر بنا الطريق لمدة ثلاثين دقيقة تقريباً إلى فندق موفنبيك الجميل والرابض الصقر أمام الساحل، كانت الساعة تقريباً السابعة مساءً وبعدها إلى غرف الفندق، فسكنت أنا والرويعي في غرفة والغرفة الأخرى سكنها الرميثي والمريخي. بعد أن وضعنا أغراضنا، قررنا الخروج للعشاء والتعرف على أسواق المدينة.
البحث عن خيط نظارة
نزلنا السوق لنرى ما يحتوي عليه من عوالم ومعالم، فالسوق كما يقال دائماً روح أي مدينة، إن تعرفت على أسواقها تستطيع التعرف على ما خلف الأسواق. وهكذا فعلنا ونحن نتمشى ونرى ونلاحظ. تذكرت أن خيط نظارتي قد قطع، ولأنني قد «تبهدلت» وأنا أبدل بين نظارة القراءة ونظارة النظر، قررت البحث عن خيط عند باعة النظارا ، وبالفعل دخلت أسأل عن خيط للنظارة، وكان الجواب دائماً لا يوجد، دخلت الدكاكين التي أمامي، أيضاً لا يوجد، فكرت أن أدخل إلى المتجر لشراء خيط حذاء، أستخدمه بعض الوقت، ولكني تراجعت خشية من أن يكون هذا الخيط أكبر من مساحة النظارة.
مطعم لبناني
بعد أن تجولنا وتعبت أرجلنا، دخلنا إلى مطعم (كان زمان) وطلبنا تشكيلة من المشاوي، وعصير المانجا الذي كان يدخل موسمه للتو.
النوم الطويل
عدنا إلى فندق موفينبيك، لنأخذ قسطاً من النوم، بعد رحلة طويلة، خصوصاً وأنني لم أنم قبلها بسبب قلقي الدائم في التأخر عن موعد الطائرة، فأنا قد تعودت أن أكون في المطار قبل موعد إقلاع الطائرة بثلاث ساعات أو أكثر. أي أن أتجول في المطار، وأقرأ وأجلس في كافيتيريا التدخين، أفضل لي من أن أكون خارج المطار.
تلك الليلة نمت نوماً مريحاً، وصحوت لأجد الساكن معي في الغرفة خالد الرويعي قد صحا قبلي، فعملت الشاي، وشربنا، ثم اتصل الرويعي بالرمثيي، وعرف منه أنهم خرجوا للشاطئ. خرجنا نبحث عنهم، مارين على بركة السباحة الجميلة، والتي تتكون من منطقتين يفصل بينهما سور يغطيه الماء، بحيث يمكنك الانتقال من بركة إلى أخرى بكل يسر وسهول. وجلسنا هناك إلى ما بعد الظهر، ثم عدنا إلى الغرف لنرتاح قليلاً ونعود إلى الشاطئ.
نظارات مائية
تقرر أن نأخذ معنا نظارات مائية من أجل أن تكون الرؤية أفضل تحت الماء، ولأننا لا نتقن فن التنفس عبر الأنابيب الملصقة بالنظارات، نزعناها من النظارات، وانطلقنا إلى الشاطئ، لنشاهد الأسماك والشعب المرجانية. في البداية كنا ممتلئين بالنشوة لممارسة الرؤية، لكن بعد قليل، شعرنا أن الشعب المرجانية لها أخطارها أيضاً، خصوصاً لمن يسير عليها أو يعبرها حافياً، فعدنا إلى مكاننا، لنلبس الأحذية والنعل التي ربما لا تستطيع أيادينا لبسها من التجرح بسبب اعتمادنا عليها في الحركة، إلا أنها قد تقي أرجلنا من الجروح التي تسببها تلك الصخور التي لا تهتم بكوننا مختلفين عنها برقة جلودنا.
كان الماء متحركاً، فما إن نتحرك نحو الأعمق، إلا وعاد ليحركنا إلى الساحل، نغوص فوق الصخور التي نلمسها بأيدينا، ونحن نشاهد الأسماك الصغيرة، وبعضها أكبر من حجم الكف، تسبح في المياه، ولا تهتم بنا. كان خالد الرويعي يصورنا، من خلال كاميرته المائية، فوق الماء، ونحن نغطس، وتحت الماء بحيث يوثق هذه التجربة الجديدة بالنسبة لنا جميعاً، وبعد ذلك شاهدنا الفيديو الجميل والمدهش.
الإصغاء إلى البحر
من أهم اللحظات التي عشتها وعاش معها الأصدقاء: الرويعي والرميثي والمريخي، هي الإصغاء إلى وشوشة البحر وهو يبث أحاديثه «الجوانية» إلى الشاطئ، معبراً عن أشواق الماء لخلق الحياة، أمام البحر تشعر أنك قطرة من قطراته، فما لك سوى أن تنزل لترى نفسك تتماهى به، وتمتزج بروحه، والانتقال معه إلى حيث يريد. إنها لحظات رائعة وجميلة يشعر بها أي إنسان ما إن يسير على جلد الرمل النظيف والطري، والذي يستقبل الأقدام كما يستقبل العرسان ليلة الزفاف.
العودة إلى القاهرة
بعد قضاء ليلتين في فندق موفنبيك الرائع، سهرنا أكثر من ليلة في أسواق شرم الشيخ القديمة والجديدة، نهضنا بكل حيوية لمغادرة شرم الشيخ إلى القاهرة، حيث سنقضي الوقت الأطول من هذه الرحلة فيها.