قال المستشار المساعد بهيئة التشريع والإفتاء القانوني مصعب عادل بوصيبع إن دستور البحرين يعد من بين أكمل الدساتير التي عالجت الكثير من المناحي القانونية التي تتوافق مع المبادئ العامة لحقوق الإنسان والمواطن ومتوافقاً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأوضح، في رسالته لدرجة الماجستير في القانون العام من كلية الحقوق بجامعة العلوم التطبيقية بعنوان: «مبدأ الفصل بين السلطات – دراسة مقارنة»، أن مبدأ الفصل بين السلطات في الأنظمة السياسية المعاصرة يعتبر من أهم دعائم الدولة القانونية حيث يعمل على ضمان مبدأ الشرعية، ومنع الاستبداد وصون الحرية، كما أن هذا المبدأ يحقق عدة مزايا كونه يحقق مبدأ تقسيم العمل لوظائف الدولة على هيئات مستقلة مما يؤدي إلى إتقان هذه الهيئات لعملها، كما تظهر أهميته من كونه قد أصبح سائداً تطبيقه في دول العالم بصور وأشكال مختلفة وعليه تم تقسيم الأنظمة السياسية المعاصرة.
وبين، في الأطروحة التي تناولت دستور مملكة البحرين مع إعمال المقارنة مع الدستور الأردني حيث يعد الأخير من الأنظمة الملكية أيضاً.
وذكر أن الهدف من فصل السلطات هو تقييد السلطة ومنع تركيز الصلاحيات بيد شخص واحد، حيث إن كل سلطة من سلطات الحكم الثلاث (السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية) تكبح وتوازن السلطتين الأخريين.
وأوضح أن الدستور البحريني طبق مبدأ الفصل بين السلطات حيث نص الدستور على أن نظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل اختصاصاتها المنصوص عليه في هذا الدستور أو بعضه، وعلى أن السلطة التشريعية يتولاها الملك والمجلس الوطني وفقاً للدستور، وفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية فإن الملك كذلك يتولاها مع مجلس الوزراء والوزراء على النحو المبين بالدستور، وجاء على ذكر السلطة القضائية وأوضح أن الأحكام تصدر باسم جلالة الملك.
وأضاف أنه من خلال استقراء نصوص الدستور البحريني تبين أن النظام السياسي يتبع مبدأ الفصل بين السلطات وهو جوهر النظام الديمقراطي البحريني، إذ لا تقوم لهذا النظام قائمة بدونه، وقد أخذت مملكة البحرين بالنظام الديمقراطي وذلك وفق المادة (1/د) من الدستور التي تنص على أن (نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور).
وتابع أن جوهر هذا النظام هو فصل السلطات مع تعاونها فأهم ما يميز النظام البرلماني المتبع هو توزيع السلطة بين هيئات ثلاث دون أن يفصل بينها فصلاً جامداً مطلقاً، فالفصل قائم على التعاون في ممارسة بعض الاختصاصات، وذلك وفق نص المادة (32/أ) من الدستور البحريني، حيث يقول: يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطـات التشريعيـة والتنفيذية والقضائيـة مع تعاونـها وفقـاً لأحكام هذا الدستور ولا يجـوز لأي من السلطات التنازل لغيرها عن كل أوبعض اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا الدستور، وإنما يجوز التفويض التشريعي المحدد بفترة معينة.
ولفت إلى أن نظام الحكم في مملكة البحرين ملكي دستوري ديمقراطي حيث يشارك الشعب في حكم نفسه مشاركة فعاله، وتأخذ مملكة البحرين بالنظام النيابي حيث يختار الشعب ممثليه لينوبوا عنه في كافة مظاهر السيادة، تطبيقاً للنظام شبه البرلماني الذي يقوم نظام الحكم فيه على أساس الفصل بين السلطات مع تعاونها.
وأضاف، نجد أن الدستور البحريني تبنى بعض مظاهر النظام البرلماني، فما أسنده إلى المجلس النيابي من اختصاص رقابي تمثل بأخذه بفكرة الأسئلة البرلمانية والاستجوابات وتشكيل لجان تحقيق وغيرها من الوسائل الأخرى، كما أن السلطة التنفيذية كمظهر من مظاهر التعاون تقوم بالإعداد والتنظيم للانتخابات والإعلان عنها كما تقوم بتعين أعضاء مجلس الشورى.
وتابع وإذا ما انتقلنا للحديث عن منظومة التأثير المتبادل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية نجد أن الدستور أعطى كلاً من السلطتين وسائل تمكنها من صد السلطة الأخرى، وإيقافها عندما تتجاوز صلاحياتها الدستورية.
ونوه إلى أن النظام البرلماني يعتنق التفسير الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات كما يقول دعاة هذا المبدأ، ذلك التفسير الذي يقوم في جوهره على أساس الفصل النسبي بين السلطات والذي يسمح بوجود علاقة تعاون وشراكة ومشاركة في الاختصاصات بين السلطات إبان ممارستها لوظائفها.
وأكد أن الفصل بين السلطات في هذه الحالة لا يحول دون اشتراك عدة هيئات في ممارسة بعض الوظائف كما لا يحول دون قيام هذه الهيئات بممارسة نوع من الرقابة تجاه بعضها دون المساس باستقلال كل هيئة عن الأخرى في حدود معينة، فكل هيئة لا تستقل بوظيفتها استقلالاً كاملاً بل تشاركها الهيئة الأخرى في ممارسة جزء منها.
وأشار إلى أن النظام الإسلامي عرف مبدأ الفصل بين السلطات، ولكن هذا الفصل يقصد به الفصل بين السلطات التشريعية من جهة والسلطتين التنفيذية والقضائية من جهة أخرى، حيث إن السلطة التشريعية هي بيد الله سبحانه وتعالى فهو الذي اختص بها وحده دون غيره أي أن التشريع في الإسلام مصدره التشريع الإلهي والمتمثل بالقرآن الكريم وسنة رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم).
وذكر المستشار المساعد مصعب بوصيبع أن من أهم ضمانات مبدأ الفصل بين السلطات في الأنظمة الدستورية هو ضمانة استقلال كل سلطة من السلطات عن الأخرى وممارستها لدورها دون تدخل من نظيراتها من السلطات وذلك مع وجود تعاون بينها، وتتبلور هذه الضمانات بتمتع كل من هذه السلطات باستقلال نسبي عن الأخريات في عملها وفي آليات اتخاذ القرارات وبما يسند لها من صلاحيات.
وأضاف «ومن الضمانات المهمة كذلك وجود رقابة متبادلة وفعالة بين السلطات الثلاث بحيث تمارس كل منها صلاحياتها تحت رقابة السلطات الأخرى أو رقابة أي جهة دستورية مفوضة عن الشعب لضمان التزام كل سلطة بحدودها».
وأوضح أن الفصل المقصود بين السلطات في النظام الديمقراطي هو الفصل المتوازن في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات مع قيام قدر من التعاون فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام ويحد من هيمنة أي منها على الشأن العام.
وبين أن للدستور البحريني خصوصية في وضع ضوابط العلاقة بين سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، سواء الدستور السابق أو الدستور الحالي بعد التعديل الذي طال بعض مواده، ولكن فيما يتعلق بالشأن القانوني وما يتعلق بالأحكام القانونية فإن ثبات هذه الدساتير هو السمعة الرئيسة ومبادئها هي المرجعية الحتمية لعمل أي من هذه السلطات الثلاث.
واطلاع الباحث على عدة نصوص تتعلق بمبدأ فصل السلطات وتطبيقاتها في دول مختلفة، لاحظ أن بعض الدول تتبع مبدأ المرونة في الفصل بين السلطات مثل فرنسا، وبعضها تتبع مبدأ التشدد في الفصل بين السلطات مثل الولايات المتحدة، وبعضها تتبع أسلوباً وسطاً في الفصل بين السلطات، هذا بالنسبة لبعض الدول الغربية.
وذكر أنه ينبغي معرفة أنواع الفصل بين السلطات حيث إنه تبين وجود فصل مطلق وفصل مرن، ويرتبط الفصل المطلق بالنظام الرئاسي ويرتبط الفصل المرن بالنظام البرلماني أو نظام التعاون، مضيفاً «ويجمع الفقه الدستوري أن من يعتقد بأن المراد بالفصل بين السلطات هو الفصل التام المطلق يكون مخطئاً في اعتقاده».
وأكد أن التفسير الصحيح والسليم هو الفصل الذي ينتهي إلى التوازن والمساواة والتعاون بين هيئات السياسة العامة في الدولة من حكومة وبرلمان، لافتاً إلى أن ذلك هو المسلك الذي أتبع المشرع الدستوري البحريني.
وأضاف «أما أصحاب الفصل المرن فيعتبرون سلطات الدولة موزعة بين ثلاث سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، ولكل منها وظيفة متميزة، إلا أن هذا لا يعني إمكانية التعاون بين الهيئات والوظائف فالوزراء يمكن أن يختاروا من البرلمان بعضهم وأحيانا كلهم مثل: بريطانيا».
وتابع «كما يمكن أن تشارك السلطة التنفيذية في ممارسة السلطة التشريعية كالمبادرة بتقديم مشاريع قوانين وحل البرلمان الذي يحق له بدوره سحب الثقة من الحكومة».
وأشار إلى أن التعاون بين السلطات يظهر في الدستور البحريني جلياً، حيث تتعاون السلطة التنفيذية مع التشريعية في تكوين المجلس الوطني عن طريق تعيين أعضاء مجلس الشورى والاستعداد للانتخابات والإشراف عليها، وتشارك السلطة التنفيذية نظيرتها التشريعية من خلال تولي رئيسها (الملك) مهام التشريع مع المجلس الوطني واقتراح القوانين والتصديق عليها والاشتراك في إعداد الميزانية العامة للدولة.
كما تشارك السلطة القضائية السلطتين التشريعية والتنفيذية في مراقبة إجراءات الانتخابات وحسن تطبيق القوانين وعدم مخالفتها للدستور.
وأضاف «وتتجلى مظاهر التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الرقابة المتبادلة بينهما، حيث إن الدستور البحريني قد نص على مبدأ الفصل بين السلطات كما اسلفنا، وأخذ بالنظام شبه البرلماني (المختلط) والذي من خلاله يكون الفصل بين السلطات مرناً مع التعاون فيما بينها»، منوهاً إلى أن كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية تستطيع استخدام وسائل متعددة تمكنها من رقابة السلطة الأخرى تحاشياً للوقوع في الخطأ ولتحقيق الصالح العام.
وتناول بالتفصيل وسائل السلطة التشريعية في رقابة السلطة التنفيذية، موضحاً أن هذه الوسائل التي تلجأ إليها السلطة التشريعية في بسط رقابتها على السلطة التنفيذية تتدرج حيث تتمثل في إبداء الرغبات، وتوجيه الأسئلة، وطرح موضوع عام للمناقشة، وتشكيل لجان تحقيق، والاستجواب، فضلاً عن اقتراح عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء.
كما تناول أيضاً بالتفصيل وسائل السلطة التنفيذية إزاء البرلمان، حيث يمكن للسلطة التنفيذية استخدام وسائل متعددة إزاء البرلمان عن طريق المشاركة في أعمال المجلس، ولها من وسائل الرقابة والضغط ما تؤثر فيه على أعمال المجلس وذلك لتحقيق نوع من أنواع التوازن بينهما كالحق في دعوة المجلس للانعقاد وفض انعقاده، والحق في طرح موضوع للمناقشة، والحق في تأجيل انعقاد المجلس، فضلاً عن حل مجلس النواب. وأضاف «ونخلص مما سبق إلى أن كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية تستخدم وسائل عدة للرقابة على أعمال كل منهما، مما يؤكد على وجود فصل بين السلطتين وعلاقة متبادلة من التعاون والرقابة بين كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية في الدستور البحريني».
ونوه إلى أن مبدأ الفصل بين السلطات يعد من أكثر موضوعات الفكر والسياسية إثارة للجدل، مضيفاً «بل مازال يحمل معه كل إشكالياته والتساؤلات التي يثيرها، فبقدر ما تحمله الكلمة من معطيات غاية في التعقد والتناقض، فإن العلاقة مع الواقع تبرز كأكثر الأمور صعوبة وتعقيداً».
وخلص أن مبدأ الفصل بين السلطات يقوم على ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسة: التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لا تتركز السلطة في يد واحدة فتسيء استعمالها، وتستبد بالمحكومين استبداداً ينتهي بالقضاء على حياة الأفراد وحقوقهم.
وأضاف «كما تبين وجود اختلاف في مواقف الأنظمة السياسية والقانونية من مبدأ الفصل بين السلطات بل إن الممارسة السياسية في التعامل مع هذا المبدأ تباينت من نظام لأخر، فبريطانيا لا يعترف نظامها الدستوري بمبدأ الفصل بين السلطات بينما تأخذ الكثير من الدول الليبرالية وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بمبدأ الفصل بين السلطات».
ولفت إلى ظهور نظام الدمج بين السلطات كما في عدد من البلدان ومنها فرنسا وسويسرا، حيث ظهر في فرنسا نظام الدمج عدة مرات، أما في سويسرا فمازال هذا النظام قائماً حيث تملك حكومة الجمعية جميع السلطات كما ظهر في دساتير بعض الدول مع مطلع القرن العشرين.
وأوضح أنه تبعاً لظروف كل دولة، اختلف واضعو دساتيرها في مدى تفسير وتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات وخاصة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مضيفاً «وعليه نجد أن العلاقات والروابط بين هذه السلطات اختلفت وتباينت من دولة إلى أخرى».
وخلص الباحث أن نظرية الفصل بين السلطات ترتبط بالمفكر الفرنسي مونتيسيكو، ويعود أساس هذه النظرية إلى المفكر الإنجليزي جون لوك.
وأوضح أن الأنظمة السياسية العربية اختلفت بين مطبق وغير مطبق لمبدأ الفصل بين السلطات، ويعود ذلك للاتجاهات السياسية فيها، لافتاً إلى أن نظام الحكم في الأردن يقوم على أساس وجود ثلاث سلطات تنفيذية، وتشريعية وقضائية ويأخذ الدستور بمبدأ الفصل المتوازن والمرن بين السلطات.
ويعرض الباحث في رسالته من خلال الإطار النظري جملة من الموضوعات ذات العلاقة بموضوع الدراسة للوقوف على حقيقة مبدأ فصل السلطات وتطبيقاته في مملكة البحرين، حيث يتناول في مقدمة الدراسة التطور التاريخي لمبدأ الفصل بين السلطات من خلال التعريف بما كان عليه الحال قبل ظهور مبدأ الفصل بين السلطات، والآثار السلبية التي ترتبت على الدمج بين السلطات، ونظرة مونتيسكيو وغيره من علماء القانون لمبدأ الفصل بين السلطات، كما تطرق الباحث إلى المقارنة بين بعض الأنظمة السياسية المعاصرة وموقفهم من مبدأ الفصل بين السلطات، وكيفية أعمال مبدأ الفصل بين السلطات في الإسلام.
أما الفصل الثاني فيتناول مبدأ الفصل بين السلطات في مملكة البحرين وتطبيقاته حيث نسلط الضوء على تكوين السلطة التشريعية واختصاصاتها وتكوين السلطة التنفيذية وتكوين السلطة القضائية ومظاهر التعاون فيما بينها.
وفي الفصل الثالث نلقي الضوء على أسس وضمانات تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث بمملكة البحرين في ظل دستور 2002 والتعديلات التي حدثت عليه في 2012 ومقارنتها بالنظام الأردني، وبيان أوجه الالتقاء والاختلاف بين أعمال مبدأ الفصل بين السلطات في كل من مملكة البحرين والمملكة الأردنية الهاشمية، وأخيراً يستعرض الباحث أهم النتائج التي وصل إليها وأبرز التوصيات.